الأحد، 18 سبتمبر 2016

مسابقة #الاستعداد_لكفايات_عربي



الطريق إلى محبة اللغة العربية بمحبة رسولها النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم واتباع تعاليمه، ومن أحب الرسول عليه الصلاة والسلام أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية، ومن أحب اللغة العربية أحب القرآن الكريم، قال سبحانه وتعالى:(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، 
وقال سبحانه:(وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ).

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :(( أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحبّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربةً ، أو تقضي عنه دَيناً ، أو تطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً ، ومن كفَّ غضبه سَتَرَ الله عورته ، ومن كَظَمَ غيظاً ولو شاء أن يُمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة ، ومَن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له ، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزلُّ الأقدام ، وإن سوء الخُلُق ليُفْسد العمل كما يُفْسد الخلُّ العَسَل ))


ومن هنا انطلقت هذه المبادرة 👇

:

📚 #مسابقة #الاستعداد_لكفايات_عربي
📘

 الهدف:
مذاكرة جميع معايير كفايات اللغة العربية باستثناء طرق التدريس📗

*  المدة الزمنية:
(٦٠ ) يومًا.
.
📕
المقدار اليومي:
متوسط ( ٥ ) مواضيع يوميًا
📔

الآلية :

١- المسابقة والمتابعة ستكون على هذا الحساب (@Kfayatarabic11 ) ،
وفي وسم ( #الاستعداد_لكفايات_عربي).

٢- يتم التذكير بشكل يومي بالمواضيع المحددة للمذاكرة، مع تنزيل رابط للمذاكرة منه .

٣- كل ليلة عند الساعة التاسعة مساءً ، ستنزل صورة على حسابي بالآنستقرام فيها سؤال المذاكرين ، يكتب المشارك إذا ذاكر المقدار اليومي ( تم ).

٤- يحق للمشارك -إن أراد- المشاركة بمعلومة أو تلخيص للمواضيع الواردة في المقدار اليومي  ووضعها في وسم المسابقة.، وستم رتويتها.

٥- لمن أراد المشاركة بفائدة متعلقة بكفايات عربي أو طريقته في المذاكرة ، فله ذلك عن طريق وسم المسابقة .

٦- تم تصميم جدول للمتابعة الشخصية للمذاكرة، يمكنك الإطلاع عليه من هذا الرابط وطباعته:
http://up.top4top.net/downloadf-271c37v1-pdf.html

٧- تبدأ المسابقة يوم الأحد الموافق 1438/1/1هـ .



📒🎁 الجوائز:
الآلية: عند نهاية المسابقة ، يتم حصر جميع المشاركين الذين اتموا مذاكرة المعايير كاملة ،
ثم تكون القرعة على خمسة فائزين.
نوعها: آيفون 7 <<< امزح والله
للآن ما قررت جآري البحث عن هدية مقدور عليها وتعجبكم :)،
 سيتم الكشف عنها نهاية المسابقة إن شاء الله.


📖 ما هي معايير كفايات اللغة العربية، وكيف يتم الاستعداد لها، ومن أين تتم مذاكرتها؟

جواب هذه الاسئلة ، ستجده في حساب المسابقة ، فدونك إياه :
https://twitter.com/kfayatarabic11



السبت، 17 سبتمبر 2016

ملخص للبلاغة بجميع علومها


رسم توضيحي يبين موضوعات البلاغة العربية وعلومها الرئيسية





الفصاحة:

اختلف البلاغيون في تعريف الفصاحة...فـ الامام فخر الدين الرازي:
  يعرفها بانها خلوص الكلام من التعقيد.
وقال الابشيهي:
 ان اللفظ الفصيح هو اللفظ الحسن المألوف في الاستعمال بشرط أن يكون معناه المفهوم منه صحيحاً حسناً.

 
ومن هذين التعريفين يمكننا ان نستنتج ان الفصاحة تتركب من شيئين وهما صحة الشيْ و حسنه، سواء أكان كلمة او كلاما. ومع هذا لا يمكننا ان نعرّف الفصاحة بحد ينطبق على جميع انواعه الثلاثة، لاختلاف معناها بحسب هذه الثلاثة. ولكن كل تلك المعاني يرجع الى معناها اللغوي—الظهور والبيان والحسن.
 

الفصاحة ثلاثة أنواع:

أ‌-        فصاحة الكلمة: تعني خلوها من العيوب التالية:
1.       تنافر الحروف: وهو ما يحدث في الكلمة من صعوبة نطقها؛ لعدم تلاؤم حروفها.
مثال: وصف الثعالبي بردًا شديدًا بقوله: (إنه برد يقضقض الأعضاء)
ستلاحظ عند قراءتك للعبارة إن كلمة ( يقضقض) وهي بمعني يفرق ، ليست مثل بقية كلمات العبارة في سهولة النطق بها، فاللسان قد يتعثر عند نطقها، و، لأنه تكرر في هذه الكلمة حرف القاف والضاد مرتين ؛ مما أدى إلى صعوبة نطقها، وهذا عيب يخل بفصاحة الكلمة، ويسميه البلاغيون تنافر الحروف، وكأن كل حرف ينفر عن مجاوره، لتقارب مخارجها.

2.       الغرابة: وهي خفاء معنى الكلمة على كثير من الناس، لقلة استعمالها.
مثال: سأل الضبي رجلًا عن فرس له معها مُهرها: ( هل رأيت الخيفانة القباء يتبعها الحاسن المسرهف)
نجد انه في هذا المثال لا ندرك  معاني بعض كلماته ولولا قراءتك لموضوع السؤال في االمثال التي سبقته، ما عرفت عن أي شيء يسأل الضبي، وإذا علمت أن معنى(خيفانة) الفرس السريعة، و( القباء) ضامرة البطن، ومعنى ( الحاسن) الجميل،
و(المسرهف) الناعم، فستدرك معنى تلك العبارة، وتفهم ذلك لاسؤال والسبب في عدم فهمك_ مثل غيرك_ لتلك العبارة قبل بيان معاي كلماتها أن المتكلم لجأ إلى استعمال كلمات غريبة، ولا يعرف كثير من الناس معناها إلا بعد الرجوع إلى معاجم اللغة، ووقوع المتكلم في مثل ذلك يؤدس إلى الإخلال بالفصاحة؛ لنه استعمل الكلمات الغريبة، وقد جعل البلاغيون الغرابة عيب يخل بفصاحة الكلمة،
 وغالبًا كل كلمة متنافرة الحروف تكون غريبة المعنى؛ لأن تنافر الحروف يجعل المكلمة يتركونها؛ لصعوبة نطقها، وإذا قلّ استعمالها أصبحت غريبة.


ولكن لابد ان تنتبه إلى مسألة مهمة، وهي أنه ليس كل كلمة خفي عليك معناها تكون غريبة غير فصيحة، فما يخفى عليك ويعرفه كثير من الناس، لوروده في نصوص فصيحة، فهو فصيح، ومن هذا ما يرد في القرآن الكريم، وفيما صح عن رسوله صلِّ الله عليه وسلم من أحاديث، وما ورد في كلام  بلغاء العرب وفصحائهم، فتأمل ذلك وتنبه إليه.



3.       مخالفة قواعد اللغة: وهو مجيْ الكلمة على هيئة تخالف قوانين اللغة في الصيغة أو الشكل.

                  مثال:
                              إن بني للئام زهده                  مالي في صدورهم من مودده

يذكر الشاعر في البيت السابق ما يعانيه من عقوق أبنائه، وزهدهم في بره، وخلو صدورهم من مودته. ولن تجد مشقة في فهم البيت، ولكنك ستقف عن كلمته( مودده )وتدرك أن الاشعر يريد كلمة (مودة) والشاعر خالف طريقة العرب في صياغة هذه الكمة، لأن الميزان لاصرفي، والقياس اللغوي يحكمان على الحرفين المتماثلين المتجاورين بأن يدغم أحدهما في الاخر، ليكونا في الكتابة حرفًا واحدًا مشددًا، لهذا يعدّ البلاغيون استعمال كلمة (موددة) بدلا م (مودّة) غير فصيح؛ لمخالفته للقياس اللغوي، ومثل ذلك ما شاع من استعمال كلمات غير فصيحة مثل:
1-       مدراء: والصواب مديرون.
2-       أخصائي: والصواب اختصاصي أو متخصص.
3-       مُنْتَزَه : والصواب مُنَتَزَّه.

ولعلك أدركت من ما سبق أننا اهتمينا بالكلمة المفرد، وبينا العيوب التي تخل بفصاحتها وهي : تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس اللغوي.
فإذا وقع أحد هذه العيوب، أو أكثر في كلمة فهي غير فصيحة؛ لأنه يجتمع في الكلمة أكثر من عيب.




ب_ فصاحة الكلام: وتعني خلوه من العيوب التالية:

1.       تنافر الكلام: وهي صعوبة نطق العبارة بسبب تجاور بعض الكلمات التي يكثر فيها تكرار بعض الحروف.
مثال: قال الحريري:
وازور من كان له زائرًا             وعاف عافي العرف عرفانه
ستشعر ان هناك فرق كبير بين قراءتك للشطر الأول منه، والشطر الثاني فالشطر الأول يقرأ بسهولة ويُسر، وكأنك تسير فوق ارض مستويه لا تجد ف يمشيك عليها مشقة، وأما الشطر الاثني فغنك تجد عناء ومشقة في قراءته تتمهل في القراءة خشية أن تتعثر، وكأنك تسير فوق أرض وعرة فيها صخور وحفر، وقد جاءت تلك الصعوبة من كثرة تكرار حروف العين والراء والفاء، ولو أنك نطقت كل كلمة وحدها ما وجدت ادنى صعوبة في نطقها، ولكن اجتماعها  وتجاوروها هو الذي أدى إلى ذلك، ولهذا ففي البيت ما يخل بفصاحة كلامه، هو ما يسميه البلاغيون تنافر الكلمات، لأن التنافر وقع بي كلمات الشطر الثاني كلها.

_ولعل هذا العيب يذكرك ببعض المسابقات التي يطلب فيها أحد المتسابقين أن يكرر بعض العبارات ن فلا يستطيع، لأنه يتعثر وتختلط بعض الكلمات بسبب تنافر كلمات تلك العبارات.

2.       ضعف التأليف: وهو مخالفة الكلام للمشهور من قواعد اللغة.
  مثال: قال حسان بنن ثابت_ رضي الله عنه_ يمدح مطعم بن عدي، الذي كان يدافع عن رسول الله صلِّ الله عليه وسلم:
      ولو أن مجدًا أخلد الدهر واحدًا                               من الناس أبقى مجده الدهر مطعمًا
ذكر حسان في رثائه لمطعم بن عدي، أن الدهر لو كان يخلد أحدًا بسبب ما يقدمه م أعمال الخير والبر  لكان مطعم  مخلدًا بسبب مجده، هذا المعنى الذي يريده حسان_ رضي الله عنه_ ولكنك عندما تقرأ البيت وتصل غلى قوله: (مجده) وتبحث عن مرجع الضمير  ( الهاء) فلن تجده في الكلمات التي سبقت هذه الكلمة، والضمير _ كما عرفت_ هو رمز لا يدريك إلا بمعرفة مرجعه، وعندما تعلم أن مرجع الضمير هو كلمة ( مطعم) فستدرك خطأ  الشاعر ؛ لأن الضير رجع إلى (متأخر في اللفظ والرتبة) ، ففي اللفظ جاءت كلمة( مطعم) متأخرة وفي الرتبة كلمة ( مطعم) مفعولًا به، فهي تأتي بعد الفاعل (مجُ) وجمهور النحاة لا يجيز مثل هذا الأسلوب، ولهذا ففي البيت مخالفة لقواعد النحو، وهذا يجعله ضعيف التأليف، مما يخل بفصاحته.

3.       التعقيد: وهو سوء ترتيب الكلمات في العبارة، مما يؤدي إلى خفاء المعنى المراد.
مثال: قال شاعر يصف منازل كانت عامرة فأصبحت قفرًا خالية:
          فأصبحت بعد خط بهجتها                          قفرًا كان رسومها قلما
وفي هذا المثال فإنك ستدرك معناه عندما نقول لك إن مراد الاشعر أن يقول في وصف تلك المنازل : ( فأصبحت بعد بهجتها قفرًا، كأنّ قلما خط رسومها) ، فهذه الديار التي كانت عامرة بالأهل والأحباب ، أصبح لا يرى منها ومن آثارها إلا بمقدار ما يُرى منن أثر خط القلم على الورق، فهل كان بإمكانك إدراك ذلك من صياغة الشاعر لبيته؟
لا نظن ذلك، ولا تتهم نفسك بقصور في الفهم؛ لأن المتسبب في ذلك هو الشاعر نفسهن حيث قدم وأخر في ترتيب اللفاظ، فجاءت صياغته للبيت معقدة أسهمت في خفاء المعنى ن وهذا عيب يخل بفصاحة الكلام يسميه البلاغيون التعقيد اللفظين لأنه جاء بسبب تقديم الألفاظ وتأخيرها دون فائدة تذكر!

ويمكن مما سبق إجمال مايسبب إخلال الفصاحة في الكلام في ثلاثة أشياء هي: تنافر الكلمات، وضعف التأليف، والتعقيد.



ج_ فصاحة المتكلم: وتعني قدرته على التعبير عن أي معنى بكلام فصيح.

مثال: كان واصل بن عطاء لا يستطيع نطق حرف الراء؛ لوجود لثغة شديدة عنده، لهذا لم يكن ينطق الكلمات التي فيها حرف الراء أمام الناس وفي يوم قال له رجل: قل: اطرح رمحك واركب فرسك، فقال على البديهة )ألق قناتك، واعل جوادك).
 وإذا أملت قول واصل عندما طلب بمنه أن يقول تلك العبارة التي لا تخلو كل كلمة منها من حرف الراء، وهو لا يستطيع نطق هذا الحرف، للثغته الشديدة، فستدرك انه استطاع أن يقول المعنى المطلوب بعبارة تخل كلماتها من حرف الراءن حيث جعل لكل كلمة كلمة بديلة تؤدي معناها:

      اطرح رمحك، واركب فرسك
      ألــــقِ قنـانـك، واعل جــوادك

وإذا عرفت أنه قال ذلك على البديهة، فسيؤكد لك أ واصلًا قد وهبه الله ملكة راسخة في نفسه يستطيع بها أن يعبر عمّا يريد بألفاظ فصيحة.

وبهذا ندرك أن فصاحة المتكلم: موهبة وملكة يمنحها الله م يشاء يستطيع بها أن يصوغ عبارات فصحية خالية في أي غرض من الأغراض.


البلاغة عند البلاغيين:
تعنى مطابقة الكلام لمقتضى الحال .

(ومعنى ذلك أن يكون الكلام ملائمًا لموضوعه ولحال المخاطبين به).

علوم البلاغة كما نعلم ثلاثة هي:
علم المعاني, وعلم البيان, وعلم البديع,



بعد طوافنا في الفصاحة  وشروط الفصاحة في الكلام المفرد والمركب
دعونا ندخل إلى البلاغة أول علومها هو:
 علم البيان والمتوقع منا أن نتعرف إلى...

** إالمفاهيم والأساليب البلاغية الآتية:
- التشبيه وأقسامه (المؤكد، المجمل، المرسل، المفصل)
- التشبيه وأنواعه (المفرد، التمثيلي، الضمني)
- الاستعارة وأنواعها (التصريحية، المكنية، التمثيلية)
- المجاز المرسل وعلاقاته
- الكناية وأنواعها (عن صفة، عن موصوف، عن نسبة)


سؤال: ما مفهوم البيان؟
قد عرَّف البيان مجموعة من الأدباء اشهر تعريفاتها تعريف الخطيب القزويني:
 "علم يُعرَف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه"

أساليبه التي يحتوي عليها و اُعدت قُسمت الى أربع...

أقسام البيان:
1)-التشبيه
2)-المجاز
3)-الاستعارة
4)-الكناية


وسوف احصر الحديث عن هذا العلم في موضوعات أهمها: التشبيه بأركانه وأنواعه، والاستعارة بأنواعها: (التصريحية، والمكنية، والتمثيلية) والكناية، والمجاز المرسل بعلاقاته المتعددة....


 (التشبيه)
 إلى أي علم ينتمي فن التشبيه من علوم البلاغة؟
ينتمي إلى علم البيان .

التشبيه في اللغة: هو بمعنى التمثيل أو التنظير أو التقرير
نقول: شبه فلان فلانًا بكذا أي مثله به وقربه ونظره به.
 في الاصطلاح :فهو إلحاق أمر بأمر بأداة ملفوظة أو ملحوظة لجامع بينهما لغرض معين.                                                         هذا هو ضابط التشبيه بشكل عام؛ تلحق أمرًا عندك بأمر وتعقد بينهما بخلال واسطة أو واسطة معينة هي الأداة وهي أداة التشبيه, ولجامع بينهما هو المسوغ لعملية العقد بين المشبه والمشبه به. ولو لم يوجد جامع لم ينعقد التشبيه إذا لم يوجد جامع فإنه بين المشبه والمشبه به لا ينعقد التشبيه ويصبح التشبيه عندئذ ضربًا من الغثاثة أو الفساد للكلام لغرض معين يريده المتكلم.
 أركان التشبيه من خلال هذا التعريف أربعة وهي:
1- المشبه وهو: الأمر الملحق.
2- المشبه به وهو: الأمر الذي ألحق به المشبه.
3- الأداة: قد تكون ملفوظة في أثناء الكلام وقد تكون ملحوظة أي مقدرة في الكلام نفسه.
4-     لجامع بينهما وهو: وجه الشبه والغرض البلاغي من التشبيه في ذهني أو في نفسي المتكلم الذي أورد التشبيه.
 مثلًا: زيد كالأسد في الشجاعة هذا المثال تام الأركان, فإن الأمر الذي ألحقته هو زيد وإن الأمر الذي به قرنت الأول هو الأسد إلحاق أمر بأمر وهو المشبه به فالمشبه هو الرجل, والمشبه به هو الأسد, والأداة التي من خلالها وبواسطتها عقدت بين المشبه والمشبه به هو الكاف كالأسد, والجامع بينهما هو الشجاعة والجرأة في كل؛ فالرجل الجريء شجاع والأسد نفسه وبطبعه وبجبلته وخلقته جريء مفترس, بل إنه ملك الغابة, وكل الحيوانات في الغابة غالبًا تخشاه وتخشى بطشه وفرسه.
فهذا المثال جمع أركان التشبيه الأربعة.

هل يمكن أن تُحذف أركان التشبيه أو لا في الكلام؟
نعم يمكن أن يُحذف ركنان فقط أما الركنان الأساسيان وهما يسميان طرفين فهنا لا بد من ذكرهما في الكلام؛ لأنه بحذفهما أو حذف أحدهما لا يكون ثم تشبيه في الكلام؛ فالذي يمكن حذفه هو الأداة والوجه عندما تقول: زيد كالأسد في الشجاعة؛ لك أن تحذف الكاف وهي أداة التشبيه تقول: زيد أسد في الشجاعة, ولك أن تحذف أيضًا الوجه فتقول: زيد أسد فقط زيد أسد, لكن ليس لك أن تحذف المشبه ولا المشبه به.أما حذف الأداة وإبقاء وجه الشبه فيُقال عندئذ: إن الأداة إذا حذفت قيل: إن التشبيه أصبح مؤكدًّا.
أما إذا حذفت وجه الشبه فقلت: زيد كالأسد أو قلت: زيد أسد فعندئذ يكون التشبيه مجملًا .أما إذا ذكرت وجه الشبه فعندئذ يكون التفصيل زيد كالأسد في الشجاعة فإذا حذفت الأداة وحذفت وجه الشبه قلت: زيد أسد كان التشبيه عندئذ بليغا ولماذا سمي بليغًا؟ سمي بليغًا لأنه حقق البلاغة والمبالغة في إخبارك عن زيد في كونه أسد فقلت: زيد أسد فكأنك ماذا؟ أخبرت عن زيد بالأسدية مباشرة, وألحقته بجنس الأسود عندئذ طويت الأداة وطويت وجه الشبه فأصبحت مخبرًا عن زيد بكونه أسد. كما تخبر عن زيد بأنه نعامة في الجبن أو بأنه بحر في العطاء, أو بأنه ثعلب في المكر, فعندما تطوي الأداة أي تحذفها وتطوي وجه الشبه فيكون عندئذ بليغًا أي يكون التشبيه بليغًا لماذا؟ لأن فيه تناسيًّا للتشبيه وإدراج زيد وكأنك تخبر عنه بأنه أسد, وليس هذا من باب التشبيه, وإنما من باب الحقائق في ذهنك.
 الركنان الأساسيان اللذان لا يحذفان في التشبيه هما المشبه والمشبه به وأما الأداة ووجه الشبه فلك أن تحذف أحدهما أو كليهما ذلك أننا إذا حذفنا المشبه وأبقينا المشبه به أو حذفنا المشبه به وأبقينا المشبه مع حذف الأداة والوجه فإن هذا ينتقل إلى فن آخر اسمه المجاز أو الاستعارة فيكون في الكلام تجوزًا وتوسعًا. وعلى ذلك إن ذكرت المشبه به وطويت ذكر الأداة ووجه الشبه والمشبه تكون عندئذ قد انتقلت من التشبيه إلى الاستعارة لو قلت مثلًا: رأيت أسدًا في السوق يسلم عليه الناس, هذا ليس تشبيه, وإنما هو حقيقة مجاز من قسيم الاستعارة التصريحية؛ لأنك عندما قلت: رأيت أسد في السوق يسلم عليه الناس, هذا تجوز للاستعمال فإنك استعرت لفظة الأسد للرجل الشجاع الجريء, وقولك: يسلم عليه الناس عندئذ هذه قرينة تمنع من إرادة المعنى الأصلي للأسد وهو السبع المفترس المعروف دخلت في عالم الاستعارة, وانتقلت من عالم التشبيه بهذه الطريقة, ولأنك حذفت الطرف الأول من التشبيه وهو المشبه؛ فإن المشبه محذوف طويت ذكره وهو الرجل الشجاع, وأما المشبه به فإنه مذكور وهو عندئذ الأسد في قولك: رأيت أسدًا في السوق يسلم

يصنف التشبيه بحسب وجه الشبه مذكورًا أو محذوفًا إلى:

1)-التشبيه المرسل تذكر فيه أداة التشبيه.
2)-التشبيه المؤكد تغيب فيه أداة التشبيه.
3)-التشبيه المفصل هو ما خضر فيه وجه الشبه.
4)-التشبيه المجمل هو ما غاب فيه وجه الشبه.
5)-التشبيه البليغ هو الذي تغيب فيه الأداة و وجه الشبه.( مؤكد مجمل)مثال: كل الذي فوق التراب تراب.
6)-التشبيه التام هو الذي تحضر فيه الأداة و وجه الشبه.(مرسل مفصل)مثال: أنت تحاكي البحر سماحة و كرما.



أشهر أنواع التشبيه أربعة:
 النوع الأول التشبيه المفرد: بأن يكون الطرف أي المشبه مفردًا والمشبه به الثاني مفردًا أيضًا, ويكون وجه الشبه بينهما يكون مفردًا, وذلك كقولنا: زيد كالأسد في الشجاعة, فهنا لو لاحظنا ونظرنا في الطرف الأول وهو المشبه (زيد) وجدنا أن المشبه به أيضًا مفردًا وهو (كالأسد) فهما الطرفان أي المشبه والمشبه به مفردان والأداة العاقدة بينهما هي الكاف هنا, ووجه الشبه وهو الجامع بين الطرفين هو الشجاعة أو الجرأة, وهذا أيضًا يجمع بين الرجل الشجاع وبين الأسد المفترس؛ لأنه معروف بذلك, فهذا يعد من التشبيه الأول أو من النوع الأول وهو التشبيه المفرد بالنظر إلى وجه الشبه وبالنظر إلى الطرف الأول وإلى الطرف الثاني.
 من ذلك أيضًا قولك مثلا: محمد كالبحر أو محمد بحر في العطاء والتدفق والكرم, أو زيد أو عمرو كالنعامة مثلا في الجبن والهلع, أو محمد كالذئب في الختل والفرس والإيذاء, وهذه من أنواع التشبيه المفرد لأن الطرف الأول وهو المشبه مفرد, ولأن الطرف الثاني وهو المشبه به مفرد, وكذلك الجامع بينهما غالبًا يكون مفردًا.

 تنبيه :إن قواعد البلاغة بشكل عام ليست حتمية قطعية حدية إن هي إلا إرشادية ترشد طالبها إلى الذوق وإلى الفهم وإلى أيضًا استنتاج اللطائف والوصول إلى الأسرار والدقائق .فمثلا في النحو :الفاعل يجب أن يكون مرفوعًا والمفعول به يجب أن يكون منصوبًا, والمضاف إليه يجب أن يكون مجرورًا, واسم إن يجب أن يكون منصوبًا, واسم كان يجب أن يكون مرفوعًا, أو هكذا قضايا حتمية أما في قضايا البلاغة فهذه المسائل ترشد طالبها وترشد أيضًا المطالع لها إلى نواحي استنباطية استقرائية استنتاجية يصل منها إلى اللطائف والأسرار, ولهذا تكون معينة مرشدة.
النوع الثاني من أنواع التشبيه هو التشبيه المركب: وقد يكون ضابطه هو ما كان طرفاه مؤلفين من أجزاء متعددة يضم بعضها إلى بعض وكان أيضًا وجه الشبه فيه منتزع من أمور يضم بعضها إلى بعض فتعطي صورة رائعة منسقة مؤلفة متسقة هذا يسمى التشبيه المركب أو تشبيه تمثيلي أو تشبيه التمثيل بشكل عام على خلاف بين البلاغيين ولكن الأظهر في هذا أن هذا يسمى التشبيه التمثيلي لأن وجه الشبه يكون فيه صورة منتزعة مضمومًا بعضها إلى بعض وأجزاء يضم بعضها إلى بعض فتألف وجهًا متسقًا متناسقًا بين المشبه والمشبه به, والغالب أن المشبه يكون أيضًا من أجزاء متعددة ومن معان أيضًا مضموم بعضها إلى بعض, وكذلك المشبه به يكون أيضًا من أجزاء أو من معان مُضموم بعضها إلى بعض, ويأتلف بعد ذلك وجه الشبه ويرتقي في صورة مُتسقة مُتناسقة تعطي وجه الشبه بهذه الصورة الرائعة المتميزة.
وهذا غالبًا يكون في المعاني المؤثرة المعاني الكبار المعاني التي تنقل الصورة فيها من أمور معنوية معقولة إلى أمور محسة مرئية أو مسموعة أو مشمومة أو ملموسة أو محسوسة بشكل عام, هذه الصورة بهذا النموذج أو بهذه الطريقة يكون التشبيه عندئذ تمثيليًّا أو مركبًا؛ لأنه ليس من طرفين مفردين ولا أيضًا يكون الوجه فيه مفردًا وإنما من صورة مجموعة الأجزاء ضم بعضها إلى بعض فأعطت هذه الصورة المتناسقة.
من أمثلة ذلك ومن شواهده قوله جل وعز في سورة الجمعة عندما شبه اليهود الذين عندهم علم غزير متنوع ناتج عن التوراة التي أنزلها الله U على موسى عليه السلام فبلغهم إياها ولكنهم عاندوا من طبعهم, وتكبروا أيضًا من سمتهم ومن نهجهم, وتجبروا فعاندوا وحاجوا, ولم ينتفعوا أيضًا بهذا العلم الغزير النافع, وإنما شبههم الله U بالحمار في قوله جل وعز: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا .ثم قال عنهم: ﴿ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ننظر إلى المشبه هو ماذا؟ المشبه هو هؤلاء القوم وهم اليهود .فقال: إن الله U مثلهم لأمة محمد r لأن أمة محمد وهي أمة استجابت للنبي r وأيضًا تمثلت دعوته فالله جل وعز من باب لطفه ومن رحمته ومن أيضًا اعتنائه بهذه الأمة ضرب لها الأمثال بالأمم السابقة ؛ حتى لا تقع أمة محمد r في مثل ما وقع فيه الأوائل من قوم نوح أو قوم لوط أو قوم إبراهيم أو قوم عيسى أو قوم موسى أو غير هؤلاء ممن تقدموا ممن نزل عليهم الوحي على أنبيائهم وقُرئ عليهم, ومع ذلك تنكبوا أو بعضهم علمه ولكن لم يعمل به. ففي هذا المثل العجيب تحذير لأمة محمد r وبخاصة علماؤها و طلاب العلم فيها الذين يعلمون ما أنزل الله U ويعلمون الحدود الشرعية ويعلمون الأحكام الشرعية ويعلمون النواهي ومع ذلك قد يقترف بعضهم تلك المناهي فيفعلها أو يعلم تلك الأوامر فيتركها ولا يلتزم بها ولا يعملها ولا يطبقها؛ فحذرت أمة محمد r من ذلك, ولهذا قال أهل العلم: إذا ذكر اليهود فإن في ذلك تحذير لعلماء أمة محمد r وطلاب العلم فيها, وإذا ذكر النصارى فإن في ذلك تحذيرًا لعوام هذه الأمة ذلك لأن النصارى قد عبدوا الله U وأقبلوا عليه, ولكن عن جهل وضلال وافتراء وأيضًا رهبانية ابتدعوها ما كتبها الله جل وعز عليهم؛ فضلوا وأضلوا أقوامًا كثر, وأما اليهود فإنهم عندهم علم وعندهم التوراة وعندهم علم بها ولكنهم تنكبوا الطريق المستقيم ولم يعملوا بها فكانت عليهم وليست لهم وكانت حجة عليهم يوم القيامة.فحجة أمة محمد علماؤها حذروا من أن يكون فيهم شبه من اليهود الذين عندهم علم وعلموا بهذا العلم ولكنهم لم يعملوا به وحذرت العامة عامة هذه الأمة من أن يعبدوا الله U على جهل وعلى غير بصيرة فلا يقع فيهم شبه من النصارى الذين اخترعوا وابتدعوا وسلكوا سبلًا لم ينزل الله U بها من سلطان فقوله جل وعز: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ أي صفة هؤلاء الذين حملوا التوراة: ﴿ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا التوراة كما نعلم وهي من عند الله U قبل أن تحرف وهي وحي من الله U وهي أساس النور والهدى, وفيها إنقاذ لهؤلاء اليهود في ذلك الزمان لكن هؤلاء اليهود لما علموا بها لم يعملوا بها فكانت سببًا لتعذيبهم ومسخ كثير منهم قردة وخنازير فقال: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا المشبه هو: قوم نزل عليهم علم غزير صاف من الله U نور فيه هداية وبرهان وأيضًا إنقاذ لهم من التخبط, المشبه به هو: الحمار وهو أبلد الحيوانات وأتعسها ويضرب به المثل في البلادة .الشاهد أن المشبه به هذا الحمار الذي حمل أو حمل أنواعا من الكتب فيها فوائد كثيرة تنفعه فإنه بليد لا يقرأ ولا يمكن أن تتأتى منه القراءة أما المشبه فهم هؤلاء القوم وهم اليهود الذين نزلت عليهم التوراة ولم يستفيدوا منها ولم ينتفعوا بها مع علمهم أيضًا بأن فيها فائدة, لكنهم لم يعتبروا بذلك, والجامع بين الطرفين بين المشبه والمشبه به صورة منتزعة من عدة أشياء ضم بعضها إلى بعض وهو وجود أشياء نافعة ومهمة ومنقذة لهذا الإنسان ومع ذلك لم يستفد منها ولم يتحقق بما فيها ولم يتعلم بمقتضياتها ولا بأحكامها, بل كانت سببًا لهلاكه, فهذا مثال للتشبيه التمثيلي. شبهت حالة بحالة أو صورة بصورة؛ صورة التوراة التي نزلت على اليهود وفيها المنافع والخيرات والأحكام والهدى بمجموعة من الكتب النافعة الرائعة حملت على ظهر حمار لا يفقه ولا يستفيد منه, والجامع بينهما عدم الانتفاع بالشيء المتعدد المنافع مع وجوده وتوافره بين يدي صاحبه أو بين يدي ذلكم الذي كان ينبغي أن يستفيد منه.
من ذلك مثلا قوله U عن الكفار في قوله U في سورة النور: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) .
 فأولًا في هذه الآية الحكيمة في قوله: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا استحضر ذوات الكفار استحضر في هذا النص الحكيم ذوات الكفار إنما استحضروا من أجل ماذا؟ استحضار أعمالهم فلما وقعت ذواتهم في ذهن المتلقي أو التالي للقرآن الكريم انتقل إلى أعمالهم قال: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ قال: إن أعمالهم متعددة وأنواعها متعددة جدًّا لكن هذه الأعمال المتعددة والجهات المتفرقة من أعمالهم تشبه السراب يعني يخيل لهؤلاء الكفار أنهم سينتفعون بأعمالهم, وأنها سترفعهم وتبنيهم وتنفعهم في آخرتهم أو حتى في دنياهم, لكنهم هذا العمل الذي عملوه وتلك الأنواع من الأعمال التي عملوها تشبه سرابًا في صحراء قاحلة ونظر إليها عطشان ظمآن, نظر إلى ذلكم السراب فحسبه ماء فصار يلهث صار يركض إلى ذلكم السراب ليطفئ ظمأه وليروى عطشه فكلما تقدم ذهب ذلكم السراب حتى تعب وهلك ولم يصل إلى شيء فوجد الله U عنده؛ أي أن الله U سيوافي هؤلاء الكفار جزاءهم وسيحاسبهم على أعمالهم, كما قال جل وعلا في سورة الفرقان: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا والحديث عن الكفار؛ فأعمالهم التي عملوها في الدنيا, والتي حسبوا أنها ستنفعهم في الآخرة ليست بشيء لماذا؟ لأنها غير مؤسسة على التوحيد, غير مؤسسة على ما يقبل الله U به العمل وهو توحيد الله U وإخلاص العبادة, فمفتاح هذا الدين هو شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمد رسول الله؛ فمن قالها وحقق شروطها عندئذ فتح له كما قيل -وليس حديثًا- إن لا إله إلا الله هي مفتاح الجنة وقد سئل أحد السلف في هذا فقيل: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة فقال: بلى ولكن لا بد من العمل فإنه ما من مفتاح إلا وله أسنان, والعمل بمقتضيات لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله هي أسنان هذه الكلمة ؛ فلا بد من العمل بما جاء به هذا الدين بكلياته وجزئياته بشكل عام.
 التشبيه هنا وقع في أعمال الكفار المتعددة التي ظنوا فيها المنفعة شبهت بماذا؟ بسراب في صحراء من بعيد يتراءى للظمآن بأنه ماء فيلهث ذلكم الظمآن خلفه كما يلهث الكفار أيضًا خلف أعمالهم فالكفار شبهوا بلهثهم خلف أعمالهم وظنهم أنها ستنفعهم في الآخرة شبهت تلك الحالة بالحالة من اعتراه الظمأ ثم نظر إلى السراب فحسبه ماء فطرد حوله ولهث فلم يجده شيء فهذه الصورة لصورة والجمع بينهما الظن والوهم بأن ذلكم الشيء الذي يتراءى أمامك إنما هو نافع, وإذا به عين المضرة وعين المفسدة.من ذلك أيضًا بيت بشار بن برد المشهور وهو قوله يصف معركة مع أنه كان أعمى لكن هذه تحسب له وهذه الصورة تعد من بدائع الشعر العربي ومن روائع بشار جسدها في صورة عجيبة عندما قال يصور حالة الحرب التي وقعت في بيته الشعري هذا الرائع عندما قال:كأن مثار النقع فوق رؤوسنا          وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
أسيافنا يجوز فيها النصب يجوز فيها الجر النصب عطف على مثار على اسم كأن أو الجر فوق رؤوسنا, وأسيافنا معطوف على رؤوسنا الذي هو بجواره والذي هو قريب منه يجوز فيها الحالان، الحاصل أن هذا فيه تشبيه صورة بصورة, والجامع بينهما صورة منتزعة ضم بعضها إلى بعض فشكلت صورة عجيبة بديعة, فهو بشار هنا قال كأن مثار النقع يصور المعركة والتي اضطربت فيها الخيل وثارت بسبب تلك الأغبرة الهائلة فوق رءوس المحتربين فطارت حتى غطت أفق السماء؛ فصاروا كأنما هم في ليل, وأصبحت لتك السيوف وهي تتهاوى على رءوس أعدائهم أشبه بنجوم تتهاوى في ليل بهيم أسود؛ فشبه حالهم في ضرابهم لأعدائهم والغبار يتناثر أو يثور بين أقدامهم ويعلو رءوسهم وسيوفهم تتهاوى على رءوس أعدائهم شبهم بماذا؟ بليل بهيم أسود تتهاوى فيه النجوم البيضاء يمنة ويسرة, والجمع بينهما هو وجود شيء عجيب اختلط أمره بعضه ببعض, وتتهاوى فيه أجزاء صغيرة جدًّا تشكل هيئة معينة فيها ما يثير وفيها ما يدهش؛ فالتشبيه هنا تشبيه صورة بصورة والجامع بينهما أيضًا صورة متسقة.
 النوع الثاني من أنواع التشبيه هو التشبيه الضمني: تعريفه بأنه هو الذي يلمح في الكلام لمحًا ويدرك إدراكًا من غير أن يذكر فيه الطرفان المشبه أو المشبه به أو الأداة أو وجه الشبه   والغرض منه :يؤتى به للبرهنة وللدلالة على أن ما أسند للمشبه أمر ممكن ومعقول.
من أمثلة ذلك التي توضحه قول المتنبي يمدح سيف الدولة:    
 فإن تفق الآنام وأنت منهم             فإن المسك بعض دم الغزال
يخاطب المتنبي سيف الدولة عندما أثنى عليه ومدحه يقول: إنك يا سيف الدولة رجل متميز بين الرجال, ما الدليل يا أبا الطيب على تميز سيف الدولة قال: ألا تعلمون وألا ترون أن المسك الذي يتنافس الناس في الحصول عليه والتطيب به وجودة رائحته؛ أن هذا المسك من فصيلة فصائل الغزال وليس من جملة الغزال كله, وإنما من موضع من مواضع الغزال؛ فإنه يذبح ويأخذ ذلك المسك ويحلل فيصبح طيب الرائحة زكيًّا يقول: إن سيف الدولة هذا متميز من بين القادة والرجال والساسة كتميز المسك من بين سائر أنواع دم الغزال إذا جاء أبو الطيب بالمشبه به ليقيم الحجة والبرهنة على أن ما ادعاه في حق سيف الدولة بأنه وإن كان من القادة إلا أنه متميز نوع فريد كتميز المسك من بين أنواع دم الغزال.
 من ذلك أيضًا -وهذا من عجيبه- لأن المتنبي وأبا تمام أيضًا هما من شعراء المعاني يغوصون غوصًا دقيقًا على المعاني فيلتقطون المعنى ثم يبرزونه في صورة شعرية محكمة حكيمة من ذلك قول أبي الطيب نفسه :   ومن الخير بطء سيبك عني       أسرع السحب في المسير الجهام
سيف الدولة عندئذ كان يمدحه أبو الطيب, ولكن تأخرت عطيته على أبي الطيب, أبو الطيب جاء بحسن تعليل وبلطف وجاء بالتشبيه الضمني ليعزز وضع عطية سيف الدولة له, بأنه يقول: وإن تأخرت فإن التأخر هذا ليس مزعجًا لي, وإنما حقيقة هو يقترب الخير شيئًا فشيئًا لماذا؟ لأن الحقيقة السحب أنواع, والحقيقة نوع من أنواع السحب ينسب إلى السحاب وهو الجهام, والجهام أسرع سيرًا من السحاب المليء بالعطايا فالجهام يشبه السحب البركانية الضخمة ولكن من رآها هي سريعة ليس فيها ماء ولكن السحابة الضخمة الهائلة الركامية الماطرة الغزيرة المتدفقة هي التي ثقيلة في عطائها؛ فأنت يا سيف الدولة لما تأخر السيل المقصود بالعطاء لما تأخر عطاؤك أنا مرتاح لست منزعجا لهذا لماذا لأنه يشبه أنني سأنتظر عطية ضخمة تشبه السحابة الضخمة تسير ببطء فإنني انتظرها وقام حجة على هذا ومن ذلك أيضًا قول أبي تمام :
                          لا تنكري عطل الكريم عن الغنى               فالسيل حرب للمكان العالي                                                                                     
فإنه يعلل لفقر الغني فإنه إذا وقع في يده شيء يعطيه المستحقين بخلاف الذي يجمع شبهه بماذا؟ بالمكان العالي ينزل عليه المطر الغزير فينزل إلى الأماكن السافلة.
النوع الثالث من أنواع التشبيه وهو التشبيه المقلوب: وهو أن يجعل المشبه مشبهًا به, وأن يجعل المشبه به مشبهًا وذلك للمبالغة والادعاء بأن وجه الشبه في المشبه به أتم وأكمل, وذلك بأن يقلب التشبيه يجعل المشبه به مشبهًا والمشبه مشبهًا به, مثل أن تقول: القمر كوجه فلانة, الأصل أن تشبه وجه فلانة بالقمر هذا هو الأصل لكن ادعيت أن وجهها في النور والإضاءة والحسن أتم من القمر هذا على سبيل المبالغة.
 ومن ذلك قول الله جل وعز على لسان المشركين عندما نهوا وبين حكم الربا قالوا: ﴿ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا . أرادوا أن يستبيحوه يعني كأن الحل في الربا أظهر عندهم وأشهر وإنما النقاش في البيع والصحيح العكس ولهذا رد الله U عليهم بقوله: عندما قالوا: ﴿ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا قال: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فتلك فطرة منتكسة، ومن ذلك قول الشاعر :
                   وبدا الصباح كأن غرته      وجه الخليفة حين يمتدح
والأصل أن يشبه غرة الخليفة بالصباح لكنه عكس في هذا,وقول البحتري يصف المتوكل :كأنها حين لجت في تدفقها    يد الخليفة لما سال واديها
الأصل أن تشبه يد الخليفة بالبركة في التدفق, لكن عكس التشبيه ادعاءً بأن يد الخليفة في العطاء أثمر وأعظم وأكثر, وهذا المقصود به المبالغة.






























الكناية وبيان أنواعها

المختصون من البلغاء أدرجوا الكناية في علم البيان لماذا؟ لأنها قائمة على البيان المشرق, وعلى أيضًا العبارات المؤثرة, وعلى الدلالات الموضحة, ومهمة علم البيان هو الجلاء وتوضيح المعاني, وأيضًا كشف المراد وإظهار دلالاته.
والكناية حقيقة تقوم بهذا الدور بل إنها تسوق الشيء بدليله فيكون أكثر إقناعًا وإمتاعًا فمن مهمات الكناية ومن مقاصدها أنها تسوق المعنى والادعاء أو الدعوى بدليها؛ فيكون ذلك أقوى لتثبيتها وأمكن من تقويتها وترسيخها في ذهن المخاطب أو السامع.
 الكناية في الاصطلاح :أنها لفظ أطلق وأريد به لازم معناه مع قرينة لا تمنع عن إرادة المعنى الأصلي حينئذ, هي لفظ يطلق لكن لا يراد حقيقة هذا اللفظ من حيث الدلالة المباشرة, وإنما يراد ما اقتضاه أو ما ترتب عليه من اللوازم التي تترتب على ذلكم الإطلاق, (مع قرينة) أيضًا لا تمنع هذه القرينة من إرادة المعنى الأصلي بخلاف المجاز الذي تكون له قرينة ولكن هذه القرينة تمنع من إرادة المعنى الأصلي. وبالمثال يتضح المقام عندما يقال مثلا: فلانة نئومة الضحى نحن الآن هذا لفظ كنائي فقد وصفنا فلانة وأخبرنا عنها بأنها نئومة الضحى أنت تريد بهذا ماذا؟ أنها مترفة أنها مخدومة أنها مرفهة هذا هو الذي أردته هذا المعنى لاحظ أنه كان مستورًا كان غير مصرح به, وأما الصفة التي ذكرتها لم تردها لم ترد أن فلانة نئومة الضحى لكن لا يمنع من إرادة المعنى الحقيقي لكنك لا تقصده أصلًا وإنما أردت لازمه وهو كونها نئومة الضحى دليل وبرهان على ماذا؟ كونها نئومة الضحى دليل وبرهان على كونها مُترفة مُرفهة مخدومة هذا هو البرهان الذي سقته وهو كونها نئومة الضحى؛ فالصفة التي أردتها هي كونها مترفة مرفهة منعمة.
السؤال الآن هل للكناية أركان؟ نعم نقول: إن للكناية ثلاثة أركان كما ذكرها بعض أهل العلم فأركانها ثلاثة:
الأول هو: اللفظ المكنى به هذا,
 الركن الثاني: المعنى المكنى عنه,
 الركن الثالث: القرينة التي لا تمنع من إرادة المعنى الأصلي
هذه الأركان الثلاثة يمكن أن نتميزها من خلال هذا المثال المشهور عن العرب يقولون: (فلان كثير رماد القدر) الحقيقة هنا عندنا كناية لاحظوا كناية عن صفة فقولهم: فلان كثير رماد القدر هنا محل الكناية كثير رماد القدر اللفظ المعنى به وهو قولهم : كثير رماد القدر، هذا هو اللفظ وهو الركن الأول المعنى المكنى عنه هو صفة الكرم نحن لم نقل: إن فلانا كريم وإنما قلنا فلان كثير رماد القدر؛ كنينا بكثرة الرماد عن ماذا؟ عن كرمه وسماحته ونداه, وهذا هو اللازم الذي أدى والذي أفضى بسبب كثرة رماد قدره القرينة التي لا تمنع من إرادة المعنى الأصلي هي قرينة عقلية من لازم السياق عندما سقت هذا الكلام في حقه .

علماء البلاغة قسموا الكناية إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول الكناية عن صفة وذلك بأن تذكر صفة لا تريد هذه الصفة وإنما تريد لازمها مثل قولنا كما ذكرنا: فلان كثير رماد القدر أو فلان لا يرد السائلين كناية عن عطائه وعن كرمه كونه لا يرد السائلين كناية عن ماذا؟ كناية عن أنه يعطي وأن يده سحاء وأنه من جاءه من يعرف أو لا يعرف فإن عطاؤه يتدفق إليه وهذه كناية عن كرمه, وأنت لم ترد كثرة السائلين هذه العبارة بذاتها بحقيقتها وإنما أردت لازمها ولازمها أنه ككونه لا يرد السائلين أنه ماذا؟ أنه يعطي ولا يمنع, وأنه يتكرم وتسمح نفسه بالعطاء, عندما تقول: فلان لا يهش الذباب عن عينيه كناية عن ماذا؟ كناية عن فقره وعن مهانته, وعن أيضًا وضاعته فأنت لم ترد حقيقة اللفظ, وإنما أردت لازمه وما يجر إليه في مثلًا قول أبي الطيب لعله يمدح سيف الدولة في معركة من المعارك قال: فمساهم وبسطهم حرير       وصبحهم وبسطهم تراب
فمساهم أي جاءهم في المساء، يقول: إن هذا الممدوح جاء إلى أعدائه وإلى هؤلاء القوم في المساء وحالهم ماذا؟ أنهم يفترشون الحرير كناية عن ثرائهم وبذخهم وأيضًا هيلهم وهيلمانهم هذه كناية عندما وصفهم بأن بسطهم حرير في المساء، لما جاء الصباح أغار عليهم في آخر الليل فترك ماذا؟ بسطهم تراب فافترشوا التراب كناية عن ماذا؟ عن هزيمتهم وانكسارهم وتوليتهم الدبر.إذن أبو الطيب نفسه لم يقل لنا في الشطر الأول أنهم كرماء أعزاء وإنما وصفهم بماذا؟ وصفهم بأن بسطهم التي يفترشونها حرير كناية عن ماذا؟ عن ترفهم وعن بلوغهم أوج الترف والرخاء والنعمة.

الكناية الثانية في الشطر الثاني وصبحهم وبسطهم تراب كناية عن انهزامهم وعن احتراق أحوالهم وعن انتكاسة أمورهم حتى أصبحوا يفترشون التراب ويلتحفون الغبار هذه كناية عن ماذا؟ عن توليتهم الدبر وعن هزيمتهم فهو لم يصفهم بأنهم أصبحوا أذلة وأصبحوا مهزومين وإنما وصفهم بتلك الصفة التي تولدت عنها لوازم وهي كونهم قد أصبحوا مكسورين مهزومين. الحقيقة العرب تذكر الكنايات الكثيرة في مثل هذا المعنى مثلا يقولون: فلان طاهر الذيل كناية عن ماذا؟ عن نزاهته و قرع فلان سنه كناية عن ماذا؟ عن ندمه وفلان هجر الفأر بيته كناية عن ماذا؟ عن فقره وافتقاره وقلة ما بيده، وفلان يشار إليه بالبنان كناية عن ماذا؟ عن شهرته وأنه قد تسلم المناصب العليا, وفلان عريض القفا كناية عن ماذا؟ عن غبائه وبلادته، ويقولون مثلًا: يمشي على البيض كناية عن ماذا؟ إذا كان بطيئًا في مشيته كأنما يمشي على بيض يكاد يتكسر, وفلان ركب جناحي نعامة كناية عن ماذا؟ عن سرعته, وفلان يمشي على ثلاث كناية عن ماذا؟ عن ضعفه وأنه بدلا من أن يمشي على قدمين اتخذ ثالثة وهي العصا كناية عن ضعفه وهرمه وعن ضمور شبابه, وهكذا فإن للعرب كنايات عجيبة وأيضًا أحوال تدل على حذقهم وذكائهم واختيارهم ما يناسب.
 النوع الثاني : وهي الكناية عن موصوف ضابطها أن تذكر الصفة والنسبة ولكن لا يذكر الموصوف, وإنما يحدد بمحدداته ويشخص بمشخصاته وتقود الصفة المذكورة والنسبة التي نسبت إليه تقود إلى ذلك الموصوف المحذوف مثله أو يدل عليه قوله جل وعلا: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ فهنا ذكرت الصفة وهي صفة التنشئة ونسبت إلى مجهول وأسندت إليه ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ ثم ذكرت أيضًا صفة أخرى ﴿وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ فهذه الصفة لو فتشنا عمن تناسب وتنطبق عليه وجدنا أنها تنطبق على النساء فإنهن حقيقة ينشأن في الحلية وفي الزينة وفي الحرير والذهب وفي غير ذلك من الأمور؛ في الترف وفي اللباس وفي غيره, ثم إنها إذا جاءت الخصومة أو جاءت في الإبانة أو في غير موضع لا تكاد تبين وإنما الذي يبين هو دمعها وهو بكاؤها وهو انفعالها هذا هو الغالب بشكل عام على النساء, فذكرت صفة وفي الوقت ذاته نسبت هذه الصفة إلى شيء ولكن الموصوف المراد حذف؛ فقامت الصفة والنسبة بتحديده؛ فكانت الكناية هنا عن موصوف محذوف ذكرت صفاته فحددته وضبطته ونطقت أو تكاد تنطق به ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ وهذا كما ذكرنا يناسب أحوال النساء فإنهن حقيقة في هذه الصورة.من ذلك أيضًا قوله جل وعلا: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ والكلام والآية الحكيمة في حق نبي الله نوح r في زمن غرق قومه بعدما تجبروا وتكبروا وطغوا فإنه قد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا فأخذهم الطوفان ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ وأغرقهم الله U ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ فالله U أغرق هؤلاء وجعلها آية ما معنى آية؟ أي علامة وبرهان يحذر بها من بعد قوم نوح فإن أنبياء الله U وما أنزل الله U عليهم من الكتب؛ فإنهم إن أطيعوا فإن الله U يغدق على من أطاعهم وينعمهم ويكف أيضًا الأذى عنهم ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا لكنهم إن عصوا وتجبروا فإن الله U ينال منهم ويغار على وحيه وعلى دينه من أن ينتهك ولذلك قال U في سورة محمد: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْفهذا تحذير ونذير أيضًا للأمة المحمدية بأنهم أو بعضهم إذا طغوا وتجبروا وفشا فيهم المنكر ولم يتآمروا بالمعروف ولم يتناهوا عن المنكر وأقروا المنكر بينهم, وأيضًا حاربوا المعروف أو نالوا منه فإن عليهم خطرًا بالتهديد أو الغرق أو المسخ أو العقوبة أو ضرب بعضهم رقاب بعض عن طريق الفتن نسأل الله العافية.
الشاهد أن الآية الحكيمة هنا في قوله: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍلم يذكر الموصوف فهذه الآية كناية عن موصوف محذوف بعدما ذكرت الصفة, ونسبت إلى موصوف هذا الموصوف محدد للصفة المذكورة ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ والمقصود بها (السفينة) ذات الألواح في ذلك الزمان هي السفن, السفن هي تصنع من ألواح وتسمر بألواح عجيبة طويلة وتوضع بينها مسامير وتشبك بينها عن طريق ألواح صغيرة فتشكل سفينة ثم توضع في البحر ثم يركبها الراكبون أو الركاب فتقودهم يمنة ويسرة بحسب اتجاهات الرياح وبحسب أيضًا سوقها أو عومها في البحر من خلال البحارة؛ فهذه الصفة المذكورة أو المنسوبة نطقت بموصوف محذوف لم يذكر وكنَّت عنه فقال: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ كناية عن ماذا؟ عن السفينة التي هذه هي صفتها.

النوع الثالث من أنواع الكناية هو الكناية عن نسبة وذلك بأن تذكر الصفة وتنسب إلى غير صاحبها وإنما تنسب إلى متعلقاته أو لجزء من أجزائه أو إلى شيء من أشيائه لماذا؟ لأن المقصود ليس التصريح لأنه لو كان ثم تصريح بنسبته إليه لم يكن ثم كناية وإنما نسبت إلى متعلقاته أو إلى شيء آخر من ملابساته؛ كأن تقول مثلا: فلان المجد بين عينيه، فلان لم تنسب المجد له وإنما ما بين عينيه شيء يتعلق به، فلان تاج العز على رأسه لم تقل إنه عزيز أو شيء من ذلك وإنما نسبه إلى شيء مما هو متصل به، وكأن تقول: فلان نظيف اليد ذهبت إلى ماذا ؟ إلى نظافة يده كناية عن نظافته هو ونزاهته وبعده عن الرشوة التي استشرت في بعض الجهات وسقطت فيها نفوس وضعفت, ولا شك أن هذا ضعف في الإيمان, وأيضًا مخالفة للتنبيهات وللتعليمات التي تقضي بمحاربة هذا الفساد المالي الخطير، تقول مثلًا كما قال حسان t في بيت من أبياته الشعرية: طبعًا على سبيل المجاز والاستعارة , يقول: بنى المجد بيتا فاستقرت عماده       علينا فأعيا الناس أن يتحولا
أي أن هذا المجد الذي بناه إنما هو بناه علينا خصنا به, فهو لم يقل: نحن أمجاد أو أماجد, إنما نسب أن هذا المجد من باب التجوز والاستعارة بني علينا, فنحن قوم أماجد لا يشق لنا غبار في هذا, فلم ينسبه إلى قومه مباشرة, ولم ينسبه إلى نفسه مفتخرًا في هذا المقام, وإنما قال: إنه قد بني علينا ويذكرنا هذا ببيت آخر عندما قال الشاعر: إن السماحة والمروءة والندى      في قبة ضربت على ابن الحشرج
لم يقل: إن ابن الحشرج كريم أو أنه ذو مروءة أو سمح أو ندي, إنما قال: إن ذلك كله في قبة سواء كانت قبة حقيقية أو قبة مجازية مضروبة عليه أي أنه رجل كريم سمح جواد متدفق في عطائه, قال أبو نواس يمدح والي مصر في زمانه قال:
                    
                   فما جازه جود ولا حل دونه            ولكن يسير الجود حيث يسير

 أي يتحول الجود حيث يتحول فأبو نواس في هذا المقام الحقيقة مدح الوالي بمدحة عجيبة فقال على سبيل الكناية فما جازه جود أي ما تجاوزه ولا حل دونه فما جازه جود أي ما سبقه أو تأخر عنه ولا حل دونه أي قصر دونه ولكن يسير الجود حيث يسر كناية عن ماذا؟ عن أنه جواد عن أنه متدفق بالمال يجود به وينطلق به يمنة ويسرة فهذه كناية عن ماذا ؟ عن نسبة, فأبو نواس هنا لم ينسب أو لم يقل إن فلانًا جواد أو أنه ذو جود أو ذو سماحة أو ذو كرم, وإنما نسب ذلك إلى ماذا؟ إلى أن الجود نفسه جسده بصورة مجازية إلى أنه لم يتجاوزه ولم يسبقه ولم يحل أي لم يقصر دونه, وإنما أينما حل ذلكم الوالي فإن الجود ماذا ؟ بين يديه وبين عينيه فهو رجل جواد ورجل كريم يعرف الناس ماذا؟ حركته وحركة الجود معه فلا شك أن هذه كناية عن نسبة الجود إلى هذا الممدوح بهذه الصورة.
فأصبح لدينا من أنواع الكناية ثلاثة أنواع: كناية عن صفة, وكناية عن موصوف, وكناية عن نسبة:
فالكناية عن الصفة هي أن تذكر الصفة ولا تريدها وإنما تريد لازمها.
الكناية عن موصوف هي أن تذكر صفات ذلك الموصوف وتسند إلى صفة من صفاته ولكن لا تريد ماذا؟ لا تريده نطقا وإنما تقرب تلك النسبة وتلك الصفة تقرب ذلكم الموصوف الذي طوي ذكره وذكرت صفاته ومحدداته.
 وكناية عن نسبة وهي أنك لا تنسب الصفة مباشرة إلى صاحبها, وإنما تنسبها إلى شيء من متعلقاته, أو شيء من ملابساته كثوبه أو يده أو غير ذلك من الأمور.


التعبير بين الحقيقة والمجاز

ما المقصود بالتعبير الحقيقى ؟ مع ذكر أمثلة.
1}- التعبير الحقيقى:
 هو استعمال الألفاظ فى معانيها الحقيقية التى وضعت لها ، مثل :
_أشرقت من جهة المشرق .
_الكتـاب أهم وسيلة لتحصيل العلم .
_دموع العين تدل على الحزن.


ما المقصود بالتعبير المجازى ؟ مع ذكر أمثلة :

2}- التعبير المجازى:

هو استعمال الألفاظ فى غير معانيها الحقيقية التى وضعت لها وإنما تعبر عن معاني مجازية مثل :
_أطلت الشمس من وراء سترها ...
صور الشمس وكأنها فتاة تطل من وراء الستار ( تعبير مجازى ).
_الكتاب صديق وفى ..
صور الكتاب بالصديق الوفي ( تعبير مجازى).
_العين تبوح بسر القلوب ..
 صور العين وكأنها إنسان يبوح ( تعبير مجازى ).

وهكذا رأينا فى الأمثلة السابقة أن المعنى الواحد يمكن التعبير عنه بالحقيقة كما يمكن التعبير عنه بالمجاز.
  

المجاز

المجاز نوعان:
المجاز المرسل والمجاز العقلي وسأكتفى هنا بالمجاز المرسل كنوع من التخفيف ولأن اسئلة كفايات ما تتجاوزه:
المجاز المرسل:
هو من اقسام المجاز اللغوي , والاستعمال المجازي اللغوي عادة ما يكون لمفردة لغوية
معينة تستعمل في معنى ثاني اما بسبب وجود تشابه بين المعنيين في وجه من الوجوه
او لعدم وجود تشابه ولكن توجد علاقات مصححة لهذا الاستعمال كالسببية والمسببية
والحال والمحل وغيرها كقولنا : رعت الماشية الغيث فان الاستعمال المجازي هو في
مفردة الغيث بعينها فقط حيث عبر المتكلم عن الحشيش الذي ترعاه الماشية بالغيث لان
الغيث سبب لانبات الحشيش فالعلاقة المصححة للاستعمال المجازي هي السببية وهو
مجاز لغوي مرسل وذلك لعدم وجود نقطة تشابه بين الغيث والحشيش .: وعلاقاته هي:

علاقات المجاز المرسل كثيرة أهمها:

1- السببية :وهي تسمية الشيء باسم سببه، نحو: له أيادٍ عليّ سابغةٌ، أي نعمٌ، فاستخدم الأيدي بدل النعم لأن الأولى سبب في الثانية.

2- المسببية :وهي تسمية الشيء باسم ما تسبب عنه ونتج، نحو: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاّ مَن يُنِيبُ) أي ينزل لكم من السماء مطرا، وعبر بالرزق عن المطر لأن الأول متسبب عن الثاني.

3- الجزئية وهي التعبير بالجزء عن الكل، نحو: (فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ)، عبرت الآية بالرقبة عن المملوك، والرقبة جزء مهم منه، لأنّ بامتلاكها تتم السيطرة على الجسم كله.

4. الكلية :وهو التعبير بالكل عن الجزء، نحو: (يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ)، عبرت الآية الكريمة بالأصابع وهي أعضاء كلية عن الأنامل وهي أجزاء منها.

5. المحلية :وهو إطلاق لفظ المحل وإرادة الحالّ فيه، نحو: (فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ). فالمدعوّ هم الناس في النادي.

6- الحالية :وهو إطلاق لفظ الحال على المكان نفسه، نحو: (إِنَّ الْأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) فقد استعمل (نعيم) وهو دال على أمر معنوي، لا يُحلّ فيه بدل مكانه وهو الجنة.

7- الآلية : وهو إطلاق لفظ الآلة للدلالة على أثرها، نحو: (وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا). عبر عن القول باللسان لأنه آلته.

8- المجاورة :استخدام لفظ دال على شيء معين ليدل على مجاورِه، نحو قول عنترة:

          فشَكَكْتُ بالرمح الرُّدَيْنيِّ ثيابَهُ             ليس الكريمُ على القنا بِمُحرَّمِ
عبر بالثياب عما يليها من الجسد أو القلب.

9- اعتبار ما كان :وهو تسمية الشيء باسم ما كان عليه، نحو: (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)، استعمل لفظ اليتيم وهو يعني "الصغير الذي مات عنه أبوه" لمن بلغ سن الرشد.

10- اعتبار ما سيكون :وهو تسمية الشيء بما سيكون عليه، نحو (إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا

عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)



الاستعارة
الاستعارةُ : هي تشبيهٌ حُذفَ أحدُ طرفيه، وتعدُّ من المجاز اللغوي وعلاقتها المشابهة دائماً.
نفهم من التعريف السابق أنّ التشبيه لابدَ فيه من ذكر الطرفين الأساسين وهما (المشبه والمشبه به) فإذا حُذف أحد الركنين لا يُعدُّ تشبيهاً بل يصبح استعارةً. لاحظ الفرق بين:{ هو أسدٌ(تشبيه هو مشبّه و الأسد مشبّه به)، ورأيت أسداً يتكلّم(استعارة فقد حُذفَ المشبّه وبقيَ المشبّه به (أسداً)) والمعنى : رأيت رجلاً كالأسد.

أنواع الاستعارة :
1//الاستعارة التصريحية:
وهى التي يحذف المشبه (الركن الأول) وصُرِّح بالمشبه به.
رأيت اسداً يحارب في المعركة.... واصل الجملة هو : الجندي كالأسد ولكننا حذفنا المشبه وصرحنا بالمشبه به فسميت استعارة تصريحية.
وكما في قول الشاعر :
(أسدٌ عليَّ وفي الحروبِ نعامةٌ ) / أي : أنت كالأسدِ عليَّ وأنت كالنعامةِ في الحروب.

2// الاستعارة المكنية:
وهى التي حُذِفَ فيها المشبه به (الركن الثاني) ورُمزَ له بشيء أوصفةٍ أو قرينةٍ من لوازمهِ.
مثل قوله تعالى ( واشتعلَ الرأسُ شيباً )
فالرأس مع انتشار الشيب فيه وكثرته كاشتعال النار وسرعة انتشارها // فقد حُذفَ المشبّه بهِ وهو الركن الثاني(النار) وبقي المشبّه وهو الشيب في الرأس ، مع وجود صفة وقرينة تدلّ على المحذوف وهي الفعل ( اشتعل) لانّ الاشتعال صفة ملازمة للنار .
ومثل: حدثني التاريخ عن أمجاد أمتي فشعرت بالفخر والاعتزاز. المحذوف المشبه به، فالأصل : التاريخ يتحدث كالإنسان، ولكن الإنسان لم يذكر وإنما ذكر في الكلام ما يدل عليه وهو قوله : حدثني (فالدليل على أنها استعارة : أنّ التاريخ لا يتكلم).
ومثل ما سبق: طار الخبر في المدينة.. استعارة مكنية فلقد صورنا الخبر بطائر يطير، وحذفنا الطائر وأتينا بصفة من صفاته (طار)، (فالدليل على أنّها استعارة : أنّ الخبر لا يطير).
وأمثالها : يهجم علينا الدهر بجيش من أيامه ولياليه - وتبنى المجد يا عمر بن ليلى - صحب الناس قبلنا ذا الزمانا- شاكٍ إلى البحر.

3 // الاستعارة التمثيلية:
أصلها تشبيه تمثيلي حُذِفَ منه المشبه وهو (الحالة والهيئة الحاضرة) وصرح بالمشبه به وهو (الحالة والهيئة السابقة) مع المحافظة على كلماتها وشكلها وتكثر غالباً في الأمثال عندما تشبه الموقف الجديد بالموقف الذي قيلت فيه.
مثل : لكل جواد كبوة - رجع بخفي حنين - سبق السيف العذل - فمن يزرعِ الشوك يجنِ الجراح،


سر جمال الاستعارة : (التوضيح أو التشخيص أو التجسيم).

و يوجد أيضاً الكثير من أنواع الاستعارة  لكنّني اكتفيت بالمستعمل منها كثيرًا وهي :
( الاستعارة التصريحية والاستعارة المكنية والاستعارة التمثيلية ).







علم المعاني:

هو علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال .
 وقال السكاكي :
( علم المعاني : هو تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة ، وما يتصل بها من الاستحسان وغيره ، ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما تقضي الحال ذكره(

موضوعاته:

1)-أحوال الإسناد الخبري.
2)-أحوال المسند إليه.
3)-أحوال المسند.
4)-أحوال متعلقات الفعل.
5)-القصر.
6)-الإنشاء.
7)-الفصل والوصل.
8)-الإيجاز والإطناب والمساواة.


الذكر والحذف (ذكر المسند و المسند إليه وحذفه، وحذف المفعول به)


أ - ذكر المسند و المسند إليه
       نماذج

1 - قال الله تعالى :
( وَإِنَّ مِنهُم لَفَرِيقًا يَلوُونَ أَلسِنَتَهُم بِالكِتَابِ لِتَحسَبُوهُ مِنَ الكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِن عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِن عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُم يَعلَمُونَ).

  [ آل عمران : 78 ] .

2 - و قال تعالى : 
 ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيم )
    [ يس ] .

3 - قال عمرو بن كلثوم  :

و قَدْ عَلِم القبائِلُ مِنْ مَعَدٍّ         إذا قُبَبٌ بِأبْطَحِها بُنِينا
بأنَّا المُطْعِمُونَ إذا قدرنا          و أنَّا المُهلكون إذا ابتُلِينا
و أنَّا المانعون لما أردنا        و أنَّا النازلون بحيث شِينا


4 - قال محمد حسن فقي :

اللهُ شاءَ بأَنْ يكون منارةً        شمَّاءَ بين مَفاوِزٍ و هضابِ
و اللهُ شاءَ بأن يكون مثابةً     للناس بعد تَفَرُّقٍ و تَبابِ
و اللهُ شاءَ بأن تكون شريعةً    سمحاءَ دعوتُه مدى الأحقاب
و اللهُ شاءَ لمصطفاه مكانة      جَلَّت برفعتها على الآراب




         نظرة تحليلية :
عرفت في مشاركة سابقة أن أساس المعنى في الجملة الخبرية أو الإنشائيّة هو ما نسميه بالإسناد ، و هو يقوم في الجملة الاسمية على ركنين أساسيين : المبتدأ و الخبر ، و في الجملة الفعلية على : الفعل و الفاعل ، و الركن الأول في الجملة الاسمية و هو المبتدأ مخبر عنه ، و كذلك الفاعل في الجملة الفعلية ، و لهذا نسمي كلاً منها المسند إليه ، و كأننا أسندنا الخبر للمبتدأ في الجملة الاسمية ، و الفعل للفاعل في الجملة الفعلية . أما الركن الثاني الذي أسندناه و هو الخبر في الجملة الاسمية ، و الفعل في الجملة الفعلية فهو مخبر به و نسميه المسند ، و من الطبيعي ألا تفيد الجملة معنى كاملا إلا بذكر الطرفين : المسند و المسند إليه ، غير أننا نحس في التراكيب اللغوية التي نستخدمها في حياتنا العادية ، أو التي نقرؤها في النصوص النثرية و الشعرية بأن ذكر المسند أو المسند إليه في بعض الجمل ليس ضرورياً ، و أننا لو تركناه لما حدث أدنى التباس في المعنى المقصود ، إذ نجد في الجملة نفسها أو في سابقتها ما يدل على ما يمكن تركه سواء أكان المسند أم المسند إليه .

و لما كان الأصل في التعبير أن يكون بالقدر الذي يتطلبه المعنى دون زيادة ، فالإبقاء على المسند أو المسند إليه حين يمكن الاستغناء عن أيهما – ضرورة بلاغية يستدعيها الموقف .

و لو أننا تأملنا النماذج السابقة 
لوجدنا في المثال الأول أن معنى قوله سبحانه و تعالى :( وَإِنَّ مِنهُم لَفَرِيقًا يَلوُونَ أَلسِنَتَهُم بِالكِتَابِ لِتَحسَبُوهُ مِنَ الكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِن عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِن عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُم يَعلَمُونَ).
إن جماعة من أهل الكتاب و هم اليهود الذين كانوا حول مدينة الرسول   على عهده يحرفون كلام الله لتظنوا أنه من وحيه و تنزيله ، و ما ذلك الذي لووا به أَلسنتهم فحرفوه و أحدثوه من كتاب الله ، و هم يزعمون أن ما لووا به أَلسنتهم من التحريف و الكذب و الباطل فألحقوه في كتاب الله من عند الله و مما أنزله – جل شأنه - على أحد أنبيائه ، و لكنه في الحقيقة مما أحدثوه بأنفسهم افتراء على الله ، و هم يتعمدون قول الكذب على الله مع علمهم سوءَ ما يفعلون . ففي هذه الآية يخص الله – تبارك و تعالى – بالذكر جماعة من أهل الكتاب ، و يركز على فعل سيء يقومون به – و هو تحريف ما أنزل الله - ، ثم محاولتهم إقناع الناس بأن ما حرفوه هو من عند الله . و يثير – جل و علا – انتباهنا إلى كذبهم ، و نفي تحريفهم عن كتاب الله و ما أنزله . و كانت وسيلة القرآن الكريم إلى تأكيد معان بعينها ، و نفي أخرى في هذه الآية ، و تقرير ذلك كله في أذهاننا الاعتماد على ذكر المسند إليه أكثر من مرة ، مع إمكان الاستغناء عنه ، لولا هذه الضرورة البلاغية و هي تأكيد المعنى و إقراره في نفوسنا و أذهاننا . ففي قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ)

   نعلم أن الضمير ( هو ) عائد إلى ما لووَا به ألسنتهم ؛ أي التحريف الذي أحدثوه . و لن يحدث في أذهاننا أي لبس في المعنى المقصود لو حذفنا المسند إليه و هو الضمير ، و لكن ذكره في كل جملة من الآية أطلعنا بوضوح على محاولة المُضِلِّين تأكيد نسبة التحريف إلى ما أنزله الله ، و نبهنا بقوة إلى نفي التحريف عما أنزله تبارك و تعالى .

و نرى في المثال الثاني في الجواب على السؤال : من يحيي العظام و هي رميم ؟ ذكراً للفعل ( يحييها ) و هو المسند مع إمكان تركه ، و يكون جواب السؤال : الله ، أو الذي أنشأها أول مرة ، و في القرآن الكريم آيات كثيرة تُرك فيها المسند و هو الفعل في جواب السؤال ، و هذا أمر طبيعي لوجود ما يدل عليه في السؤال نفسه ، و هو الفعل ذاته كما نرى في الآية الكريمة (من يحى)      . و ترك الفعل في جواب السؤال مألوف في كلامنا العادي ، فحين تسمع مدرسك يسأل : من غاب أمس ؟ فتجيبه : محمد . و مفهوم أنك تعني : غاب محمد . فما الغاية إذن من ذكر الفعل في الآية الكريمة ؟ لو أنك تأملت في سؤال مدرسك لوجدت أنه يهتم بمعرفة المسند إليه و هو الفاعل أي الذي غاب ، أما المسند - و هو الفعل نفسه - فهو مفهوم من السياق و لا داعي لذكره ، أما السؤال في الآية الكريمة فهو صادر ممن يشك في الفعل و الفاعل على السواء ، و يريد الاستفسار عنهما معاً ، فذكر الفعل هنا ضرورة بلاغية مؤكدة لإِثبات معجزة الإِحياء و القدرة على بث الحياة في العظام بعد أن صارت رميماً ، ثم إثبات هذه القدرة لله و إسناد المعجزة إليه ، بدليل عدم اكتفاء الآية بالقول : يحييها الله ، بل ( يحييها الذي أنشأها أول مرة ) أي خالقها ابتداء قبل أن تكون موجودة أصلاً .

و نرى في المثال الثالث الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم في مقام الفخر بقبيلته ، فهم كرماء يقدمون ما عندهم من طعام لضيوفهم ، و هم أبطال حرب قادرون على إهلاك أعدائهم ، و هم أقوياء بحيث يستطيعون - لو شاءُوا - أن يمنعوا القبائل الأخرى من النزول في أرض للرعي ، أو لورود الماء . أما قبيلته فهي تنزل حيث تشاء ، لا يقدر أحد على منعها .

و إذا تأملت الأبيات وجدت أن الشاعر ذكر المسند إليه ( و هو الضمير اسم أن ) أربع مرات ، و كان يمكنه الاكتفاء بذكره في المرة الأولى فيقول : بأنَّا المطعمون و المهلكون و المانعون و النازلون . و لكنَّ إصراره على ذكره ضرورة اقتضاها مقام الفخر بنسبة هذه الأعمال إلى قومه . و لو أنك رجعت إلى مُعَلقة الشاعر التي أوردنا منها هذه الأبيات لوجدت أنه استعان بذكر المسند إليه في مقام الفخر بقبيلته في مواضع كثيرة أخرى غير التي ذكرناها .


و نرى في المثال الرابع الشاعر محمد حسن فقي يمدح الرسول صلوات الله عليه بهذه الأبيات فيقول إن الله - جلّ و علا - قد شاء أن يكون رسوله من بين العرب ، يخرج من جزيرتهم ليكون هداية للعالمين ، و أن يجتمع شمل العرب بالإسلام على يديه ، بعد أن كانوا قبائل متفرقة متنابذة ، و أن تكون دعوة الإسلام التي أُرسل بها محمد -   - هي الشريعة التي ارتضاها الله للبشر على مدى الأزمان ، و أن يَبْلغ الرسول صلوات الله عليه مكانة رفيعة عند الله ، و في قلوب ملايين المسلمين تفوق كل غاية . و نجد الشاعر يكرر المسند إليه - و هو لفظ الجلالة - في كل بيت ، إظهاراً لتعظيم قدر الرسول صلوات الله عليه ، فقد شاءَ الله له كل ذلك و لا راد لمشيئته ، و لولا الرغبة في إظهار التعظيم التي نحسها واضحة في أبيات الشاعر لاكتفى بذكر لفظ الجلالة في البيت الأول دون بقية الأبيات .

و من النماذج السابقة يتبين لنا أن ذكر المسند و المسند إليه معاً في الجمل الاسمية و الفعلية هو الأصل في التركيب اللغوي ، و لكننا نرى في بعض التراكيب أن ذكر أحدهما ليس ضرورياً - لوجود ما يدل عليه في حالة تركه - و على الرغم من ذلك يبقى ما يمكن الاستغناء عنه - سواءَ أكان المسند أم المسند إليه - ليضيف إلى المعنى قيمة جمالية : كإيضاحه و تقريره في ذهن المخاطب ، أو إظهار الفخر ، أو التلذذ ، أو التعظيم ، أو التعنيف و التقريع ، أو غير ذلك من المعاني التي يمكنك إدراكها .

و هناك مواقف تصادفك في حياتك العامة توجب عليك ذكر المسند و المسند إليه في كل جملة - مع إمكان حذف أحدهما لوجود ما يدل عليه - و ذلك حين تشكين في ذكاء سامعك ، أو حين تُدعين للشهادة في قضية ، أو عندما تكتبين صكاً أو يُكتب لك ، دفعاً للبس و أخذاً بالحيطة و منعاً للإِنكار .

 



حذف المسند و المسند إليه



       نماذج


1 - قال الله تعالى :
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)  [ البقرة : 18 ] .

2 - و قال تعالى :
(أَنَّ اللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُوله )  [ التوبة : 3 ] .

3 - و قال تعالى :
 (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن اللّه)  [ لقمان : 25 ] .

4 - قال حاتم الطائي :

أماويَّ لا يُغْنِي التراثُ عن الفتى          إذا حَشْرَجَتْ يومًا و ضاقَ بها الصَّدْرُ

5 - و قال دُريْدُ بن الصمَّة  :

يُغار علينا واترين فَيشتفَى                 بنا إن أُصِبنا أو نُغِير على وِتْر
كذاك قسمنا الدهرَ شطرين بيننا           فما ينقضي إلا و نحن على شطر

6 - و قال حسن قرشي :

غَرِدٌ مِلْءُ صِباهُ الأغْيَدِ       ساطعُ الغرَّة مِمْراح اليَدِ

شاعرٌ يفتنُّ في أنغامه       و يصوغ الدرَّ كالزهر النَّدِي

عبقريُّ مارِدٌ في فَنِّه         لمسة الشُّهْب و فَوْحُ المعبد
         نظرة تحليلية :
عرفت من الدرس السابق إمكان الاستغناء عن المسند أو المسند إليه لوجود ما يدل عليه دون إبهام أو لبس ، و أن ذكر أيهما في هذه الحالة - مع أنه الأصل يقتضي البحث عن القيمة الفنية التي أُضيفت إلى المعنى بسبب التمسك بالذكر . أما إذا وُجدت القرينة التي تدل على ما يمكن حذفه سواءَ أكان المسند أم المسند إليه ، و لم تكن هناك ضرورة بلاغية تستدعي التمسك بذكر أيهما ، فالحذف في هذه الحالة أوْلى مراعاةً للجمال الفني في التعبير .

و إذا تأملنا النموذج الأول وجدنا الآية الكريمة تتحدث عن المنافقين بوضوح لا لبس فيه ، فقد سبقتها آيات تدل عليهم إذ تقول :

 (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ *مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ* صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)



فتكرار ذكر المسند إليه و هو المبتدأ سواء أكان الاسم الظاهر و هو قولنا : ( المنافقون ) أم اسم الإشارة ( أولئك ) لا ضرورة له من الناحية البلاغية في قوله : ( صم بكم عمي ) لإدراكنا إياه لأول وهلة ، بل إنك 
تجدين في حذفه قيمة جمالية أفاد منها المعنى و هي تأكيد ذم المنافقين و تحقيرهم لأن التعبير على هذه الصورة يشعر بأن الخبر انطبق تمام الانطباق على المخبر عنه حتى أغنى عن ذكره .

و ترين في النموذج الثاني أن الآية الكريمة تفيد أن الله و رسوله بريئان من المشركين الذين ظلوا على ضلالهم و أبوا الإِقرار بوحدانية الله و دعوة الإسلام ، و قد أفادت الآية المعنى في جملتين اسميتين : الأولى ( أن الله بريءٌ من المشركين ) و الثانية معطوفة على الأولى و هي ( و رسوله بريءٌ منهم ) . فكأن المسند في الجملة الثانية و هو الخبر حذف لوجود قرينة قوية تدل عليه و هو الخبر في الجملة الأولى ، و تكراره لا معنى له ، فالحذف هنا مقصود به الاختصار و الإِيجاز .

و معنى الآية لا يُوجد مجالا لذي بصر و فهم لأن يعطف و ( رسوله ) على المشركين لأن المعنى عندئذ ينافي العقل تماماً .

و ترين في النموذج الثالث سؤالا طرحته الآية الكريمة و هو ( مَنْ خلق السموات و الأرض ) و يشبه إلى حد كبير السؤال الذي تضمنته الآية الأخرى التي تضمنته الآية الأخرى التي حللناها في الدرس السابق
( من يحيي العظام و هي رميم ) . و قد ذكرنا لك من قبل أن الجواب عن مثل هذه الأسئلة لا يتضمن عادة ذكر المسند - و هو الفعل - لوجود ما يدل عليه في السؤال نفسه ، فإذا ذكر الفعل - كما بينا في الدرس السابق - كان ذلك بسبب زيادة في المعنى ، و إذا حُذف كما أجمل في التعبير منعاً لتكرار ذكر الفعل ، و طلباً للإيجاز ، فلم يرد في الآية : ليقولن خلقها الله ، بل ورد : ليقولن الله ، و هكذا الشأن دائماً في جواب من يسأل .

و يقول حاتم الطائي في المثال الرابع مخاطباً زوجته : إن المال لا يغني عن الإنسان شيئاً إذا انتهى أجله ، و ترين الشاعر في الشطر الثاني لم يذكر فاعل ( حشرجت ) و هي النفس ، لأن اختصاص الحشرجة و ضيق الصدر منوط بها ، و بذلك تتعين لنا تماماً و لا ينصرف ذهننا إلى غيرها . كما أن تاءَ التأنيث التي ألحقت بالفعل زادتنا تأكيداً بأن النفس هي المقصودة ، فحذف الفاعل هنا لم يتم لمجرد الاختصار بل لإظهار تعيُّنه ، فهو ليس مضمراً لأنه لم يتقدم له ظاهر يفسره و إنما دلت القرينة الحالية عليه .


و لو تأملنا كلامنا العادي و ما نقرؤه من نصوص في الشعر و النثر لوجدنا أن الفاعل يُحذف عادة لعدم العلم به ، كما لو قلنا : ( قُطِعَت الكهرباءُ ) و لا ندري مَنْ الذي قطعها ، أو للعلم به و لكننا لا نريد أن نكشف عنه لسبب من الأسباب . و يحدث ذلك دائمًا حين يُبنى الفعل للمجهول كما نتبين في المثال الخامس الذي يصف فيه الشاعر الجاهلي دريد بن الصمة حياة العرب في جاهليتهم قبل أن يشرق عليهم نور الإسلام فيقول إنهم في حرب مستمرة : مرة يهاجمهم أعداؤهم لإدراك ثأرهم و أخرى هم يهاجمون أعداءَهم بسبب الثأر أيضاً . و نرى الشاعر يحذف المسند إليه - و هو الفاعل - في ثلاثة مواضع من البيت الأول حين يستخدم الأفعال المبنية للمجهول ( يُغار ) و ( يُشتفى ) و ( أُصبنا ) . و هو لا يجهل الفاعل الحقيقي و لكنه لا يرغب في تحديد قبيلة بعينها و إنما يريد التكثير من الأعداء الذين يغيرون عليهم و يشتفون منهم و يصيبونهم . و لو ذكر الفاعل الحقيقي لضاع المعنى المقصود كذلك نراه في البيت الثاني يحذف المسند إليه - و هو فاعل ينقضي - اكتفاء بالضمير المستتر في الفعل لوجود قرينة قوية تدل عليه دون غيره و هو الدهر ، فالذكر هنا زيادة غير مستحبة لتكرر اللفظ دون وجود غاية جمالية .


و يُحيي الشاعر السعودي المعاصر حسن قرشي في المثال السادس ذكرى الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي فيمدحه بهذه الأبيات ، و نراه يقول : غرد ، شاعر ، عبقري ، مارد . و كل لفظ منها خبر لمبتدأ محذوف تقديره ( هو ) ، فلماذا حذف الشاعر المسند إليه - و هو المبتدأ - في الأبيات الثلاثة ؟

من الواضح أن المقصود هو التعظيم ، و كأن الممدوح متعيِّن بحيث لا ينصرف الذهن إلى غيره . و من عادة الشعراء العرب في مديحهم - منذ العصور القديمة - أن يفعلوا ذلك ، فهم يأتون بالخبر المبني على المبتدأ المحذوف حين يذكرون الممدوح فيقولون : فتى من صفته كذا أو قوم من صفتهم كيت و كيت .




و يتبين لنا من هذه النماذج أن حذف المسند أو المسند إليه فيما نستخدمه من التراكيب اللغوية أجدى على جمال التعبير من ذكره إذا وُجدت في الكلام قرينة تدل على المحذوف بحيث يدركه الذهن لأول وهلة . و حذف المسند إليه في هذه الحالة يفيد أغراضاً كثيرة تزيد المعنى قوة و جمالا . فقد رأينا في الأمثلة السابقة أنه أفاد تأكيد الذم أو المدح أو ادعاء تعيُّنه ، أو تكثير الفائدة منه ، أو لإدراك فضيلة الإيجاز في التعبير . و هو يفيد أغراضاً أخرى كثيرة ندركها في حياتنا اليومية . فكثيراً ما نحذف المبتدأ لضيق المقام بسبب المرض فأنت تجيبين من يسألك : كيف أنت ؟ فتقولين : مريضة ، و لا تقولين : أنا مريضة ، كذلك عند التنبيه على خطر حين تصيحين : حريق !












حذف المفعول به

           نماذج



1- قال الله تعالى :

 (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
 [ البقرة : 245 ] .

2 - و قال تعالى :
 (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ ) [ يس : 43 ] .

3 - قال الرسول :  
 كلُّ أمتي يدخلون الجنة إلا مَنْ أَبَى   [ رواه البخاري عن أبي هريرة ] .

4 - قال أبو العتاهية  :

إني تركتُ عواقبَ الدنيا       فتركتُ ما أهوى لما أخشى

5 - و قال طاهر زمخشري :

و خَيْر الجُود بين الناس وُدٌ      و أكرمُ من يصافحُك الوَدودُ

متى أعطى نَعِمْتَ بخير ورْدٍ         عذوبته المَسَرَّةُ و الجَدودُ


            نظرة تحليلية :

عرفت فيما سبق دواعي ذكر أحد ركني الإسناد الذي يقوم عليه المعنى في الجملة الخبرية و الإنشائية عندما يجوز لنا حذفه ، كما عرفت دواعي حذفه عندما لا يُخِلُّ ذلك بالمعنى ، بل يكون في الحذف زيادة في المعنى و إضفاء قيمة جمالية عليه .

و لا يقتصر الذكر و الحذف على ركني الإسناد في الجملة ، فأنت تعلمين من دروس النحو أن للفعل
متعلقات هي معمولاته كالمفاعيل و ما يشبهها من حال و تمييز و استثناء ، و أهم المتعلقات المفعول به للفعل المتعدي الذي يحتاج إلى مفعول به أو أكثر . و من الطبيعي حين نستخدم فعلا متعدياً في الجملة أن نذكر مفعوله فنقول : أعطاني أبي جائزة لتفوقي . فالفعل أعطى هنا له مفعولان : (( أنت )) الذي أُعطيت ، و الشيءُ الذي أعطاه لك أبوك و هو (( الجائزة )) . و لكننا حين نتأمل ما نقرؤه من شعر و نثر و ما نتكلمه في أحاديثنا العادية 
نجد أن المفعول به للفعل المتعدي قد يُحذف و لا يُخِلُّ ذلك بالمعنى ، و لا يمنع فهمنا الغاية المقصودة للتعبير اللغوي ، بل نجد الحذف دائماً يزيد المعنى قوة و وضوحاً و جمالاً ، و يلفت نظرنا إلى أمور ما كنا نستطيع إدراكها إذا ذكر المفعول به .
 و إذا تأملنا النموذج الأول وجدنا أن معنى قوله جلَّ و علا في آياته الكريمة : من هذا الذي ينفق في سبيل الله فيعين ضعيفًا ؛ أو يقوِّي فقيراً أراد الجهاد في سبيل الله . و ذلك هو القرض الحسن الذي يقرض العبد ربه . و سوف يجزيه الله على قرضه أضعافاً مضاعفة . ثم يقول سبحانه إنه وحده يقبض الرزق أي يضيِّقه عمن يشاءُ من  خلقه ، و يبسطه أي يوسعه على من يشاءُ منهم . فكأن مفعولي يقبض و يبسط - و هما كلمة ( الرزق ) - محذوفان ، فما وجه الجمال البلاغي في حذفهما ؟ 
إن المفعول به هنا معلوم أنه ليس للفعلين في الآية الكريمة مفعول به سواه ، بدليل ما سبق من الكلام ، فحذفه يلفت القارئ لفتاً قوياً إلى إثبات الفعل للفاعل بحيث تتجه الأذهان إليه و تنحصر الأفكار فيه . فإثبات فعل ( القبض ) و ( البسط ) و نسبتهما إلى الله سبحانه مقصود لذاته ، حتى يبين للناس كافة أنه حين يستقرضهم فلخيرهم ، لأنه قادر على أن يعين الفقير و الضعيف دون وساطة البشر ، و قادر على كف يده عن الغنيِّ البخيل لعقابه ، و كأن الفعل المتعدي هنا نزل منزلة اللازم .


و نرى في النموذج الثاني الفعل ( نشأ ) مجزوماً و قد حذف مفعوله . و المعنى المفهوم من الآية : إن نشأ إغراقهم نغرقهم ، فلماذا حذف المفعول به من الآية ؟ نلاحظ دائماً أن فعل المشيئة والإرادة إذا وقع شرطاً فالجواب يدل عليه و يبينه بحيث 
لا يختلف اثنان في أن المفعول به المحذوف في الآية هو ( إغراقهم ) لأن جواب الشرط هو ( نغرقهم ) . و كذلك الأمر في قوله تعالى : ( فلو شاء لهداكم أجمعين ) لا يختلف اثنان في أن المفعول به المحذوف ( هدايتكم ) .
 و حذف المفعول به في مثل هذين النموذجين يحيط المعنى بنوع من الإِبهام يجعل القارئ أو السامع متشوقاً إلى معرفة مفعول المشيئة ، ثم يأتي جواب الشرط فيوضحه له و يدله على ما أُبهم عليه .

و إذا كان فعل المشيئة و الإرادة متعلقاً بشيءٍ غريب غير معهود فإن المفعول به حينئذٍ لا يحذف كما في قول الشاعر أبي يعقوب الخريمي  .

و لو شئت أن أبكي دمًا لبكيتُهُ                     عليه و لكنْ ساحة الصبر أوسعُ

فالشاعر في رثائه يستخدم فعل المشيئة شرطاً ، و لكنه عَلَّق به شيئاً غريباً غير معهود و هو البكاءُ بالدم دون الدمع ، و لهذا أثبت المفعول به ( أن أبكي دماً ) و لم يحذفه ، لأن جواب الشرط ( لبكيته ) لا يمكن أن يوضح المفعول به المقصود غير العادي ، فذكر المفعول به هنا واجب ليتقرر معناه في نفس السامع .

و نرى في النموذج الثالث أن الرسول صلوات الله عليه ، يستخدم الفعل ( أبى ) و قد حذف مفعوله ، وواضح أن معنى الحديث الشريف : كل المسلمين يدخلون الجنة إلا من أَبى دخولها .
 فالمفعول به معلوم لسبق الفعل ( يدخلون ) و حذفه اختصاراً يضفي على التعبير جمالا ، كما أنه يثير الانتباه إلى الفعل ( أبَى ) ، ليسأل السامع : و مَنْ مِنَ المسلمين يأبَى أن يدخل الجنة ؟ فيقول الرسول -   - لمَنْ سأله : مَنْ أطاعني دخل الجنة ، و مَنْ عصاني فقد أبَى . فمفهوم الفعل ( أبَى ) موضوع أساسي أراد الرسول - صلوات الله عليه و سلامه - أن يلفت النظر إليه ، لأن الإباء مرتبط بارتكاب المعاصي ، و لهذا حذف المفعول به حتى لا يتردد الذهن بين الفعل و مفعوله ، و لأن المفعول به معلوم ظاهر أيضاً .

و ليس الشأن كذلك في قوله تعالى :

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا)

لأنه لو قال : ( فأبين ) دون أن يذكر المفعول به ، لاتجه الذهن إلى إبائهن ما عُرض عليهن معصيةً منهن - حاشا لله - فكان لابد من ذكر المفعول به في الآية حتى يتبين أنهن أبين حمل الأمانة إشفاقاً منها ، فالفعل ليس مطلوباً لذاته و لكن مع مفعوله .

و يقول أبو العتاهية في النموذج الرابع أنه ترك ملذات الدنيا و ملاهيها ، لا لأنه يكرهها ، بل لخوفه من عذاب الله يوم القيامة . و قد استخدم الفعلين ( أهوى ) و ( أخشى ) دون أن يذكر مفعوليهما ، و لا شك عندنا
في أنه يريد أن يقول : تركت ما أهواه لما أخشاه ، و الضمير مفعول أهواه يشير إلى ملذات الدنيا التي عبر عنها الشاعر بكلمة ( عواقب )
 فترك المفعول به هنا اختصار جميل . أما الضمير مفعول أخشاه فهو يشير إلى عذاب الله دون وجود ما يدل عليه في البيت ، و لكن حذف المفعول به ادعى تعيُّنه بحيث لا ينصرف ذهننا إلى شيء غيره .

و نرى الشاعر طاهر زمخشري في النموذج الخامس يقول إن الود إذا شاع بين الناس فهو خير أنواع الكرم ، و إن الودود هو خير من تتخذه صديقاً لأن عطاءَه لك يعقب سعادة و سروراً .

و نرى الشاعر قد استخدم الفعل ( أعطى ) و هو كما نعلم يحتاج إلى مفعولين دون أن يذكر مفعوليه : أعطى من ؟ و ماذا أعطى ؟ و المفهوم من المعنى أن الشاعر يريد أن يقول : متى أعطاك وده ، نعمت بخير ورد ، 
و لكنه بحذف المفعولين أفاد التعميم ، و كأنه أراد أنَّ الودود يعطيك و يعطي غيرك من أصدقائه و القريبين منه وده و محبته و عطفه و بره ، إلى غير ذلك من المعاني التي يمكن أن نتخيلها من وراء المفعول به المحذوف .

و من النماذج السابقة يتبين لنا أن حذف المفعول به من الجملة حيث لا ضرورة لذكره ، يكسب التعبير قوة و جمالاً ، و يفيد من المعاني ما لا يفيدها ذكره ، فقد رأينا من الأمثلة أن الحذف أفاد الإِيضاح بعد الإِبهام ، و الاختصار ، و التعميم ، و ادعاء التعيُّن ، و إثارة الانتباه ، و إثبات الفعل للفاعل ، و توجيه الذهن إلى الفعل ، إلى ما سوى ذلك من أغراض يمكنك أن تتبيَّنها بنفسك بتحليل الجمل لإدراك القيمة البلاغية بسبب حذف المفعول به فيها . فإذا قرأتِ مثلا قول السيدة عائشة - رضي الله عنها - في حديثها عن معاشرتها للرسول صلوات الله عليه : (( و اللهّ ما رأى مني و لا رأيتُ منه )) أدركتِ أن المفعول به المحذوف في الموضعين بعد الفعل ( أرى ) هو العورة و أن الغرض من حذف المفعول به هنا استهجان ذكره . كذلك يمكنك أن تتبيني في بعض الأقوال أن حذف المفعول به يكون أحياناً لتعمد إخفائه ، أو لإمكان إنكاره ، و في بعض الأحيان يشارك حذف المفعول به في إحداث حلية شكلية ، و نعني بها الانسجام الموسيقي في العبارة ، كمراعاة الفاصلة في قوله تعالى :



(وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)  
 أي و ما قلاك ، فحذف المفعول به لغرضين : مراعاة النسق الموسيقي ، و هذه ناحية شكلية ، و تجنب وقوع فعل الكراهية على الضمير العائد إلى الرسول صلوات الله عليه ، و هذه ناحية معنوية دقيقة تشير إلى تكريم الله تبارك و تعالى لرسوله الأمين .







 أو لانتهاز فرصة حين نقول للصائد : غزال ! أو ليتيسر لك الإنكار لو قلت في ذم شخص مثلا : كاذب ، دون أن تحددي اسمه .

كذلك نحذف المسند إذا كان خبراً للاختصار و عدم التكرار ، كما رأينا في النموذج الثاني ، أو لضيق المقام حين نقول : خرجت فإذا النار . فالمفاجأة تمنعنا من ذكر الخبر و تقديره ( مشتعلة ) .


 و يحذف المسند إذا كان فعلاً لتجنب تكراره ، و طلباً للاختصار كما رأينا في النموذج الثالث و أغراض حذف المسند أو المسند إليه كثيرة ، لا سبيل إلى حصرها ، و ما قدمناه من أمثلة يفتح لك طرق إدراكها ، و تعيين مواضعها ، و تذوّق ما بها من جمال فني .









الأساليب


الخبر والإنشاء

 تنقسم الجمل إلى نوعين: خبرية وإنشائية
 فماذا نقصد بالجملة الخبرية؟

الجملة الخبرية هي التي لها واقع تطابقه أو لا تطابقه، أي يمكن أن يقال عنها أنها صح أو خطأ، أو أنها تحتمل الصدق
 أو الكذب لذاتها، أي بغض النظر عن قائلها، ولذلك يدخل فيه الأخبار الواردة في القرآن الكريم رغم إيماننا بصدقها، 
وأقوال مسيلمة الكذاب مثلاً رغم إيماننا بكذبها. أمثلة:

1- قال تعالى (كل من عليها فإن) هذا خبر لأنه يمكن أن يقال عنه أنه صدق.
2- قال تعالى (رب أوزعني أن أشكر نعمتك) هذا ليس خبرًا لأنه لا يقال عنه أنه صدق أو كذب فهو دعاء.


 ما هي الجملة الإنشائية؟

هي التي لا تقرر واقعًا فهي لا تحتمل الصدق والكذب كقولك: (اللهم ارحمني) ففي هذه الجملة 
لا يستطيع أحد أن يقول لك صدقت أو كذبت.


 ما أنواع الجملة الإنشائية؟

هي نوعان:

أ- النوع الطلبي وهو الذي يطلب به شيء غير حاصل في وقت التكلم، وأهم أنواعه:

1- الأمر قال الشاعر: قم للمعلم وفه التبجيلاً.
2- النهي، قال الشاعر: لاتنه عن خلق وتأتي مثله.
3- الاستفهام، قال تعالى: (أنتم أشد خلقاً أم السماء بناها).
4- التمني، قال تعالى: (ياليت قومي يعلمون).
5- النداء، قال تعالى: ( يـّـابت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا).
إذا تأملت أداة النداء(يا) تجد أنها نابت عن فعل بمععنى(ادعوا) أو (أنادي)، فهي أداة لطلب الإقبال، وهو ما نسميه النداء.




ب- غير الطلبي: وهو مالايطلب به شيء ويكون عن طريق صيغ: 

1- التعجب كقولنا: (ما أجمل السماء).
2- القسم، كقولك: (والله لأصدقن في قولي).
3- المدح كقولنا: (نعم الصديقة زينب).
4- الذم، كقولنا: (بئس الرجل الكذاب).

أضرب الخبر


ما أضرب (أساليب) الخبر؟

الجمل الخبرية تأتي على ثلاثة أضرب:

1- 
ضرب خال من أدوات التأكيد إذا كان المخاطب خالي الذهن من الخبر ويسمى هذا الضرب الابتدائي أو الأسلوب الابتدائي كقولك لمن يسأل عن محمد: محمد مسافر.

2- وضرب مؤكد بمؤكد واحد، إذا كان المخاطب مترددًا في قبول الخبر، طالبًا لتأكيده ويسمى هذا الضرب الطلبي أو الأسلوب الطلبي، كقوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فقد جاء بمؤكد واحد هو: إن؛ لأن الناس مترددون فيمن هو أكرم هل هو ذو الحسب والنسب أم التقي.

3- وضرب مؤكد بمؤكد أو مؤكدين أو ثلاثة إذا كان المخاطب مذكرًا للخبر، ويسمى هذا الضرب الإنكاري أو الأسلوب الإنكاري، كقوله تعالى لمنكري توحيد الألوهية (وفي السماء رزقكم وما توعدون * فورب السماء والأرض إنه لحق) أكد الخبر بثلاثة مؤكدات: القسم وإن ولام الابتداء.


ملاحظة: 
من أدوات التوكيد: القسم، إن، أن، لام الابتداء، نون التوكيد، أحرف التبنية من ألا وهلا.










الأمر والنهي
 ما هي صيغ الأمر والنهي؟

أ- صيغ الأمر:

1- فعل الأمر، قال تعالى: (قل إن هدى الله هو الهدى).
ومثل ايضًا: أطع، اكتب تكلم.

2- الفعل المضارع المسبوق بلام الأمر، قال تعالى: (
لينفق ذو سعة من سعته).،
 ومثل ايضًا:  لتجلس، و لتكتب، و لتصافح.

3- المصدر النائب عن فعل الأمر، كقولك (اجتهادًا لتنال النجاح)،
إحسانًا بالوالدين نيابة عن أحسن بالوالدين ، وإنفاقًا على الفقراء بدلًا من أنفق، وصمتًا بدلًا من اصمت وهكذا.

4- اسم  فعل الأمر، مثل: صَه، ومَه، وآمين.


ب- صيغ النهي:

 ليس له إلا صيغة واحدة وهي الفعل المضارع المسبوق بلا الناهية، قال تعالى: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها).

ما الغرض من الأمر والنهي؟ تذكير: الرجوع للكتاب للتصحيح

الغرض الأصلي للأمر هو طلب الفعل من كبير إلى صغير والنهي بعكسه أي طلب ترك الفعل من كبير إلى صغير وعلى هذا معظم الأوامر والنواهي في القرآن الكريم.

1- الدعاء (
رب دلني على طريق الحق ولا تكلني إلى نفسي).

2- التحقير، كقول الشاعر: دع المكارم، لا ترحل لبغيتها.


3- التهديد، قال تعالى (
اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير).

4- النصح، _قال الشاعر: عش في الحياة مجاهدًا إن الحياة عقيدة وجهاد


_وقال الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم


5- السخرية قال الشاعر:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعًا أبشر بطول سلامة يامربع.





الاستفهام – أدواته

ما هي حروف الاستفهام؟

هما
الهمزة وهل: ومعنى كونها حرفين أنهما لمعنى الاستفهام فقط. 
*ولذلك فإن الاستفهام يكون بهما عن معنى الجملة، أي عن صحة الإسناد الذي تعبر عنه الجملة الخبرية ويكون الجواب عنهما إما (بنعم أو بلى) أي بالإقرار بصحة الإسناد وإما (بلا) أي بنفيها، 

وتتميز الهمزة عن هل بما يلي:

1- 
أن الهمزة يمكن أن يطلب بها التعيين ويليها في هذه الحالة أم: أمحمد حضر أم علي.

2- الاستفهام بالهمزة يناسب حالة المتردد أو المكذب.

3- وفي كل حال يلي الهمزة المستفهم عنه.


 ما هي أسماء الاستفهام؟

1- ما: ويطلب بها تحديد حقيقة المستفهم عنه.

2- 
من: ويطلب بها تعيين المستفهم عنه العاقل بالاسم أو الصفة.

3- 
أي: ويسأل بها عن تعيين واحد مما أضيفت إليه وهي غالبًا ما تضاف إلى مفرد منكر أو مثنى أو جمع معرفين
 الأول يدل العموم والأخيران يدلان على الاشتراك.

4- كم: ويسأل بها عن العدد.

5- كيف: ويسأل بها عن الحال.

6- أين: ويسأل بها عن المكان.

7- 
أنّي: وتكون تارة بمعنى (من أين) وتارة بمعنى (كيف).

8- 9- متى، أيان: ويسأل بهما عن الزمان.


 ما هي أغراض الاستفهام؟

الغرض الأساسي من الاستفهام هو طلب الأخبار عن شيء وقد يخرج إلى أغراض أخرى:

1- التعجب، قال تعالى: (ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق).

2- التوبيخ، قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم).

3- الاستهزاء، قال تعالى: (أصلاتك تأمرك أن تترك ما يعبد آباؤنا).

4- الإنكار، قال تعالى: (أغير الله تدعون).

5- الوعيد، قال تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد).

6- التمني، قال الشاعر: هي بالطلول لسدائل رد.

7- التقرير، قال تعالى: (ألم نشرح لك صدرك).

8- الاستبطاء، كقول الطالب: (متى تنهى السنة الدراسية).

9- الاستحثاث، كقولنا: (ألا تذاكر).

10- التهويل، قال تعالى (الحاقة ما الحاقة * وما أدراك ما الحاقة).

11- الاستبعاد، قال تعالى: (إني لهم الذكرى).

12- النفي، قال تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).

13- التشويق، قال تعالى: (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم).

14- التعظيم، قال تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه).

15- التحقير، قال تعالى: (هذا الذي بعث الله رسولاً).
 

التمني

ما معنى التمني؟ وما أدواته؟

التمني معناه: الرغبة الشديدة في أمر يستبعد حصوله، لأحد سببين:

1- أن يكون مستحيلاً، قال الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب>

2- أو لكونه ممكناً ولكن حصوله مستبعد، قال الشاعر:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بجنب انغضا ازجي القلوص النواجيا.


أدوات التمني

الأداة الأصلية هي (
ليت)، وإذا أريد إبراز الأمر المستبعد أو المستحيل في صورة الممكن، فقد يستعمل لهذا الغرض:

1- حرف الاستفهام (
هل) لإفادة معنى الحمرة، قال تعالى: (يقولون هل إلى مرد من سبيل).

2- 
لعل لإفادة أن المتمني ميئوس من حصوله، قال الشاعر:
أسرب القطا هل من يعير جناحا لعلى إلى من قد هويت أطير.

3- (
لولا) و(لومًا) و(هلا
للتنديم إذا كان ما بعدها فعل ماض، 
_قال تعالى: (لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء)، 
_وقال الشاعر:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك إن كنت جاهلة بما لم تعلمي


وللتحضيض أي الحث على طلب الشيء كقولك: لوما تجتهد لتنجح.



4- 
لو: لإبراز المتمني في صورة ما لا يوجد، قال تعالى:
(فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين).





الوصل و الفصل

 أ - الوصل
       

 نماذج

1 - قال الله تعالى :
(
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ *وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ). 
 [ الانفطار ] .

2 - و قال تعالى :
(
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً). 
[ البقرة : 83 ] .                

3 - و قال تعالى :
( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ ‏رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)
  [ الغاشية ] .

      
4 - قال بشار بن برد :
بِضرْبٍ يَذُوقُ الموتَ مَنْ ذاق طعمَهُ        و تُدركُ منْ نَجَّى الفِرارُ مَثالِبُه

5 - قال المتنبي :
أعَزُّ مكانٍ في الدُّنى سرجُ سابحٍ       و خيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ


6 - قال أبو العتاهية :
اخْزِنْ لِسانَك بالسكوت عن الخَنا         و احذرْ عليك عواقبَ الأقوالِ


7 - سأل أمير نائبه عن شيء فقال : 
لا ، و أيَّد الله الأميرَ .



                نظرة تحليلية :

لو تأملنا الآية الكريمة 
في المثال الأول لوجدناها تتألف من جملتين : الأولى : إن ( الأبرار ) لفي نعيم ،
و الثانية : إن الفجار ( لفي ) جحيم . و هما جملتان خبريتان لفظا و معنى ، كل منهما مستقلة عن الأخرى ، و لكن هناك صلة واضحة بين المعنيين فيهما عن طريق التقابل ، فالأبرار في الجنة ، و الفجار في النار ، و لهذا عطفت الجملة الثانية على الأولى بالواو . و نسمي هذا العطف وصلاً . فالوصل إذن معناه عطف جملة على أخرى بالواو خاصة ، لأن العطف بالواو يحتاج إلى دقة في الإدراك و حسن الفهم لكونها تدل على مطلق الجمع و الاشتراك ، بينما تدل الفاءُ مثلا على الترتيب مع التعقيب في مثل قولك : دخل فسلم و جلس فتكلم . و تدل ( ثُمَّ ) على الترتيب مع التراخي في مثل قولك : نام مساء ثم استيقظ صباحاً . فاستخدم الفاء و ثُمَّ - كما ترين - محدد تماماً ، أما استخدام الواو في الوصل بين الجمل أو عدم استخدامها للفصل بينها فأمر يحتاج إلى دقة الفهم و حسن الإدراك ، و لهذا قيل قديماً في تعريف البلاغة إنها معرفة الفصل من الوصل .

و ما من شك في أن القيمة الجمالية للمعنى ترتبط إلى حد كبير بإدراكنا الصحيح للمواضع التي ينبغي لنا فيها أن نصل أو نفصل بين الجمل ، لأننا إذا وصلنا بين الجمل في مواضع ينبغي الفصل فيها ، أو فصلنا بين جمل كان ينبغي لنا أن نصل بينها ، فإننا نسلب المعنى قيمته ، و لا نصل به إلى الغاية التي نريدها منه .

و قياساً على وصل الجملتين الخبريتين لفظاً و معنى اللتين يوجد بينهما تناسب يمكن وصل الجملتين الإنشائيتين لفظاً و معنى ، كقوله تعالى :
(فليضحكوا قليلا، وليبكوا كثيرَا).
  [ التوبة : 82 ] .

و ترين 
في الآية الثانية من النماذج جملتين إنشائيتين معنى لا لفظاً ، و لكن وصل بينهما لأن العبرة في الاتفاق بين الجملتين خبراً أو إنشاءً هو المعنى ، فقوله : ( لا تعبدون ) بمعنى : لا تعبدوا ، و قوله : ( إحساناً ) بمعنى : أحسنوا .

و في 
المثال الثالث ترين أربع جمل موصولة في الآية الكريمة ، ربما ظن الناظر إليها لأول وهلة عدم وجود تناسب بين الإبل و السماء و بينهما و بين الجبال و الأرض ، و لكن لما كان الخطاب مع العرب فهو يطابق ما في مخيلتهم من حيث مناسبة هذه الأشياء بعضها لبعض ، فالإبل رأس المنافع عندهم ، تلزم الأرض لرعيها ، و السماءُ لسقيها ، و هي التي تحملهم إلى الجبال التي يأوون إليها و يتحصنون بها ، فصور هذه الأشياء ماثلة متناسبة في أذهان العرب من أهل الوبر و هم الغالبية و الكثرة ، و لا يوجد بينها أي انفصال أو عدم تناسب ، بل على العكس يوجد بينها جامع مشترك .
 و التناسب بين الجملتين ، أو الأمر المشترك الجامع بينهما شرط ضروري للوصل و يمكنك أن تتأكدي من أهمية هذا الشرط لو تأملت بيت أبي تمام الذي يقول فيه :

لا و الذي هو عالمٌ أنَّ النَّوى  صَبِرٌ  و أنَّ أبا الحسين كَريمُ  فستجدين أن الجملتين اللتين وصل بينهما متفقتان خبراً ، و لكن لا توجد بينهما أي مناسبة تجمع بين مرارة البعاد و كرم الممدوح أبي الحسين .

و إذا تأملت بيت بشار بن برد في
 المثال الرابع وجدت أن للجملة الأولى موضعاً من الإعراب ، و هي قوله : ( يذوق الموت من ذاق طعمه ) لأنها صفة للنكرة قبلها ( ضرب ) و قد وصل الشاعر بين الجملة الثانية و هي قوله : ( تدرك من نجى الفرار مثالبه ) و بين الجملة الأولى لأنه أراد إشراك الجملة الثانية مع الأولى في الحُكْم الإعرابي . و كل جملتين قُصِدَ إشراك الثانية منهما في الحكم الإعرابي للأولى - مثل كونها خبر مبتدأ ، أو حالا ، أو صفة ، أو نحو ذلك - وجب الوصل بينهما .

و ترين في بيت المتنبي في 
المثال الخامس جملتين متحدتين خبراً ، متناسبتين في المعنى ، و ليس هناك ما يدعو للفصل بينهما ، و لهذا وصلت الثانية بالأولى و كذلك الشأن في بيت أبي العتاهية إذ تجدين في جملتين متحدتين ، إنشاءً ، مناسبتين في المعنى ، و لا موجب للفصل بينهما ، فلا بد إذن من وصلهما .

أما 
المثال السابع فهو يتألف من جملتين : الأولى : لا ، التي تقوم في هذا الموضع مقام جملة خبرية تقديرها ( لا حاجة لي ) ، و الجملة الثانية خبرية لفظاً و لكنها إنشائية معنى ، و العبرة - كما قلنا - بالمعنى . فالمفروض ألاّ يكون هناك وصل بين الجملتين بسبب اختلافهما ، و لكن إذا فصل بينهما المتكلم و قال : لا أيد الله الأمير ، لأيقن الأمير أن القائل يدعو عليه في حين أنه قصد الدعاء له . و لذلك وجب الاستغناء عن الفصل بينهما .
و هكذا ينبغي الوصل دائماً بين كل جملتين اختلفتا خبراً و إنشاءً من ناحية المعنى و كان ترك الوصل بينهما يؤدي عكس المفهوم المقصود .

و يتبين لنا مما سبق أن الوصل بين جملتين ( أو أكثر ) معناه العطف بالواو ، و أنه لابد من استخدام الوصل إذا اتفقت الجملتان خبراً أو إنشاءً ( و العبرة بالمعنى دون اللفظ ) ، و كانت بينهما مناسبة ، و لم يكن هناك ما يوجب الفصل بينهما . و ينبغي الوصل أيضاً بين الجملتين إذا قصد إشراكهما في الحُكم الإعرابي ، أو إذا اختلفت الجملتان خبراً و إنشاءً ، و أدى الفصل بينهما خلاف المعنى المقصود .












ب - الفصل : كمال الانقطاع

           نماذج

1 - قال الله تعالى :
 (  
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ).
  [ نوح : 10 ]

2 - تقولين لزميلتك في المدرسة : 
سافر أبي في عمل ، أعانه الله .

3 - جاءَ في الحِكَم :
 رأس الحكمة مخافة الله ، الحسود لا يسود .

4 - قال أبو العتاهية :

سبحانَ مَنْ لا شيء يَعْدِلُهُ      كم من بصير قلبُه أعْمَى
          نظرة تحليلية :

عرفنا من الدرس السابق أن الوصل معناه عطف جملة على أخرى بالواو . و من اليسير علينا أن ندرك أن الفصل نقيض الوصل ، أي أن معناه ترك العطف بين الجملتين .

و لما كنا قد عرفنا المواضع التي تقتضي ضرورة الوصل فينبغي لنا أن نعرف المواضع التي تقتضي ضرورة الفصل ، لنصيب المعاني التي نريدها و نحقق لها الوضوح و الجمال و القوة .

و لو تأملنا الآية الكريمة في 
المثال الأول لوجدنا أنها تتألف من جملتين ، الأولى : (( استغفروا ربكم )) و الثانية : (( إنه كان غفاراً )) . و لما كنا قد عرفنا من الدرس السابق أننا لا نستطيع أن نصل بين جملتين إلا إذا كانتا متحدتين خبراً أو إنشاءً لفظاً و معنى ، مع وجود تناسب بينهما ، أو كان ترك الوصل بينهما يؤدي عكس المعنى المقصود ، فلهذا ينبغي الفصل بين الجملتين في هذه الآية لأن الجملة الأولى إنشائية و الثانية خبرية و لا موجب لوصلهما .

أما في 
المثال الثاني فأنت تقولين لزميلتك بالمدرسة : سافر أبي في عمل ، و هذه جملة خبرية لفظاً و معنى ، ثم تتبعينها بجملة أخرى دعائية فتقولين أعانه الله ، و هي جملة خبرية لفظاً إنشائية معنى ، كما عرفنا من الدرس السابق ، و لهذا وجب عليك أن تفصلي بين الجملتين لاختلافهما من ناحية الخبر و الإنشاء معنى . و الذي أوجب عليك هذا الفصل أيضاً عدم وجود ما يوهم خلاف المعنى الذي تقصده . بعكس ما رأيت في قول نائب الأمير في الدرس السابق : لا و أيدك الله ، الذي اضطر فيه إلى الوصل .

و ترين في 
المثال الثالث حكمتين متعاقبتين ، ليس هناك ما يجمع بينهما من ناحية المعنى ، فالحكمة الأولى توصي الإنسان بخوف الله في كل ما يفعله حتى لا يقع في خطأ يستوجب غضب الله عليه وعقوبته ، و لو فعل الإنسان ذلك لبلغ الغاية في الحكمة و التعقل . أما الحكمة الثانية فهي تعظ الإنسان بألَّا يكون حاسداً لغيره ، ناظراً إلى ما في أيدي الناس ، و إلى ما يصيبهم من الخير ، لأنه إن فعل ذلك ركبه الهم و ألهاه عن التفكير في نفسه و ما ينبغي أن يصيبه من النعمة . فكل حكمة إذن تؤدي معنى مستقلا عن معنى الحكمة الأخرى ، و لهذا وجب الفصل بين الجملتين ، و قد سبق لك أن عرفت من الدرس السابق ضرورة وجود تناسب في المعنى بين الجملتين الموصولتين ، عن طريق التماثل ، أو الاشتراك ، أو التضاد ، فأنت تستطيعين أن تَصلي فتقولين كان جرير شاعراً و الحجاج خطيباً ، و لكنك لا تستطيعين الوصل إن قلت : كان جرير قصيراً و الحجاج خطيباً ، لانعدام التناسب في المعنى بين الجملتين . فالفصل إذن ضرورة في حالة عدم وجود تناسب في المعنى بين الجمل المتعاقبة .

كذلك الأمر بالنسبة
 لبيت أبي العتاهية الذي يتألف من جملتين لا جامع بينهما ، الأولى : سبحان من لا شيء يعدله . أي أسبح الله الذي لا يوازيه شيء في الوجود ، و الثانية : كم من بصير قلبه أعمى ، أي أن كثيراً من المبصرين الذين سلمت عيونهم من الآفات عاجزون عن الرؤية بقلوبهم ، تنقصهم البصيرة و الإدراك لأنهم بعيدون عن الهداية و الإيمان . فالمعنيان - كما ترين - لا توجد صلة بينهما و لهذا وجب الفصل في هذا الموضع .

و يمكنك أن تتبيني من هذه الأمثلة أن الفصل الذي تم بين الجُمل سببه الانقطاع الكامل فيما بينهما من ناحية اختلاف الجملتين خبراً و إنشاءً ، لفظاً و معنى ، أو اختلافهما خبراً و إنشاءً معنى فقط ، أو لعدم وجود جامع بينهما و لهذا نقول إن الفصل تم في هذه الجمل بسبب كمال الانقطاع .









جـ - الفصل : كمال الاتصال و شبهه

           نماذج



1 - قال الله تعالى :
(وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
   [ لقمان : 7 ] .

2 - قال ابن نباتة السَّعدي  :
لم يُبق جودُك لي شيئاً أُؤَمِّله     تركتني أصحبُ الدنيا بلا أمَلِِ

3 - قال الله تعالى :
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ )
    [ الأعراف : 141 ] .

4 - و قال تعالى : 
|(
اتبعوا المرسلين *اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون).
  [ يس ] .

5 - قال النابغة الذبياني يرثي أخاً له :
حسْبُ الخليلين نَأْيُ الأرض بينهما            هذا عليها و هذا تحتها بالي



6 - قال الله تعالى :
(
وَمَا أُبَرِّئ نَفْسِي إِنَّ النَّفْس لَأَمَّارَة بِالسُّوءِ )
  [ يوسف : 53 ] .

    نظرة تحليلية :

عرفنا من الدرس السابق ، أن كمال الانقطاع بين الجملتين يوجب الفصل بينهما ، و إذا تأملت هذه المجموعة من النماذج التي أمامك وجدت أن الجُمل فيها منفصلة أيضاً ، و لكن ليس بسبب كمال الانقطاع بينها .

انظري قوله تعالى في
 المثال الأول : كأن لم يسمعها ، كأن في أُذنيه وقراً ، تجدي الجملتين منفصلتين و لكن بينهما اتصال كامل ، لأن معنى الجملة الثانية هو نفسه معنى الجملة الأولى ، فكأن الجملة الثانية تأكيد لمعنى الأولى و تقرير له حتى يوقن السامع بأن المعنى الذي تبادر إليه في الجملة الأولى صحيح لا شبهة فيه .

و نرى الشاعر في 
المثال الثاني يقول لممدوحه إن كرمه الذي أغدقه على الشاعر قد حقق له كل ما يتمناه ، فلم يبق لديه أمل واحد دون أن يتحقق . ثم يقول في الجملة الثانية إنه يعيش دون أن يأمل في شيء لأن كل آماله تحققت .
 و لا بد أنكِ لاحظت وجود اتصال كامل بين الجملتين ، و أن الجملة الثانية بمثابة التأكيد اللفظي لمعنى الجملة الأولى ، و أن المقصود به إقناع السامع بصدق المعنى الذي تبادر إليه في الجملة الأولى ، و من أجل هذا تم فصل الجملتين .

و تفصل الآية الكريمة
 في المثال الثالث بين جملتين : الأولى : (( يسومونكم سوءَ العذاب )) ، و الثانية : (( يقتلون أبناءكم )) . و هنا لا نجد الجملة الثانية مؤكدة للأولى كما رأينا في المثالين السابقين ، بل نجدها بدلا منها : فالجملة الأولى تذكر لنا أن آل فرعون قد أذاقوا بني إسرائيل العذاب ، و لكنها لم تبين نوع العذاب ، فأتت الجملة الثانية لتفصِّل لنا ما أجملته الأولى . و تدلنا على نوع من العذاب ، و هو قتل أطفال بني إسرائيل . فكأن الجملة الثانية بالنسبة للأولى ( بدل بعض من كل ) فبينهما لهذا السبب اتصال كامل في المعنى و هنا يجب الفصل .

و إذا تأملت الآية الكريمة في 
المثال الرابع وجدت الأمر فيها كسابقتها . ففي الجملة الأولى يأمر الله تعالى باتباع المرسلين الذين يبعثهم في كل زمان لهداية الناس ، و لكنه لم يفصِّل القول في وصف المرسلين الذين يجب على الناس اتباعهم ، بل فعل ذلك في الجملة الثانية إذ قال جلَّ وعلا : اتبعوا المرسلين الذين لا يطلبون أجراً على إبلاغ رسالة الله إلى الناس ، و هم على هدى من ربهم . فالجملة الثانية - كما ترين - ( بدل اشتمال من الأولى ) ، فهي أوفى منها بتأدية المعنى لحمل المخاطبين على اتباع المرسلين . و بسبب هذا الاتصال الكامل في معناهما فصل بينهما .

و نرى في
 المثال الخامس النابغة الذبياني يرثي أخاه فيقول في الجملة الأولى : يكفي الصاحبين من العذاب بُعد ما بينهما من الأرض . و لعلك تحسين في هذا المعنى غموضاً و إبهاماً أحسهما الشاعر نفسه فأتى بالجملة الثانية لتكون بياناً للأولى و إيضاحاً يزيل الخفاءَ و الإبهام فقال : إنه يقصد ببُعد ما بينهما من الأرض أن أخاه الذي مات أصبح رميماً بالياً في بطن الأرض ، و أن الشاعر يحيا فوق ظهر الأرض ، فكأن الأرض نفسها صارت حاجزاً منيعاً بينهما . و لما كانت الجملة الثانية بياناً و إيضاحاً للأولى ، فبينهما إذن كمال اتصال يُلزمنا الفصل بينهما .

من هذه النماذج الخمسة التي مرت بنا يتبين لنا أن الفصل بين الجملتين ضروري إذا كان بينهما كمال اتصال ، فتكون الجملة الثانية مؤكدة للأولى ، أو بدلا منها ، أو بياناً لها . و إنما يوجب كمال الاتصال الفصل بين الجملتين لأن معناه وجود مناسبة قوية بينهما حتى لكأن إحداهما الأخرى ، فلو وصلنا بين الجملتين و عطفنا الثانية على الأولى لأشبه ذلك عطف الشيء على نفسه .

و لو تأملت
 المثال الأخير لوجدت قوله تعالى يتألف من جملتين : الأولى ( و ما أُبرئُ نفسي ) و هذا القول جاءَ على لسان امرأة العزيز و هي تعترف على نفسها بتهمة كيدها ليوسف عليه السلام . و لو سكتت القائلة عند هذا الحد لأثارت سؤالاًً في نفس من يسمعها : و هل النفس تأمر صاحبها بالسوء ؟ فكأنها حين استأنفت كلامها قائلة : " إن النفس لأمارة بالسوء " أجابت عن سؤال محتمل يربط بين المعنى في الجملتين و لا يوجد في هذا النوع كمال اتصال ، بل شبه كمال اتصال ، لأن الجواب في الجملة الثانية عن سؤال تثيره الجملة الأولى يجعلهما بمنزلة المتصلتين تمام الاتصال و إن لم يوح ظاهرهما بذلك ، فلو أنك قلت لي : أكرمت محمداً ، محمد جدير بالإِكرام ، لكنت تبادرين بجواب عن سؤال متوقع لي : و لماذا خصصت محمداً بالإكرام . و المقصود بهذا النوع - و هو شبه كمال الاتصال - تنبيه السامع على موقع الجواب و إعفاؤه من السؤال.







القصر

 أ . طرق القصر و طرفاه

   
       نماذج

 1 - قال الله تعالى :
(
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)  [ المائدة : 75 ] .

2 - قال الرسول :  
إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئٍ ما نوى  [ متفق عليه ] .

3 - قال المتنبي :
على قدْر أهل العزم تأتي العزائمُ        و تأتي على قدر الكرام المكارمُ


4 - قال طاهر زمخشري :
ما تزيَّنَّ بالذي يُكْسِبُ الاسم           مُجوناً و بهرجاً و غروراً
بل تحلَّيْن بالذي يجعل الد          ور جِناناً و المُحْصناتِ بُدورًا


5 - قال محمد حسن فقي :
ما يُنجب الصِّيدَ الأشا            وِسَ للملاحم غيْرُ صِيدِ

      نظرة تحليلية :
إذا تأملتِ النماذج السابقة وجدت أن كلا منها يخصص أمراً بآخر و يقصره عليه ، فالآية الكريمة تفيد أن المسيح عليه السلام مقصور على كونه رسولا مثله في ذلك مثل الرسل الذين سبقوه ، فهو من البشر إذن و ليس ابن الله كما يدعي النصارى ، تعالى الله علوّاً كبيراً .

 و ترين في النموذج الثاني أن الرسول صلوات الله عليه أفاد تخصيص الأعمال بالنيات ، و تخصيص

ما يحدث للإنسان من خير أو شر بما يضمره في نفسه ، فكأنه قصر أعمال الإنسان على نواياه دون غيرها ، فإذا انتوى الإنسان فعل خير و لم يعقب علمه خيراً فالحكم في ذلك مرجعه إلى نيته ، و قد أراد الرسول صلوات الله و سلامه عليه بتخصيص العمل بالنية تنبيهنا إلى أهمية تطهير نفوسنا ، و أن الله جلَّ و علا عليم ببواطن نفوس البشر .

و نرى المتنبي في النموذج الثالث يقول إن العزائم تأتي على قدر أهل العزم ، و المكارم تأتي على قدر الكرام ، و هو يعني أن الأفعال مرتبطة بهمم أصحابها و قدراتهم ، فالعزائم إذن مقصورة على قدر أهل العزم ، و المكارم مرتبطة بقدر الكرام .


كذلك نرى طاهر زمخشري في النموذج الرابع يتحدث عن الفتيات السعوديات اللائي سعين إلى رحاب العلم و الثقافة فقال : إنهن ما تحلَّين بقشور الحضارة الزائفة و بهرجها و غرورها ، و لكنهن يتلَّقين العلم لصلاح دينهن و دنياهن ، و يتعلَّمن ما يجعل من بيوتهن جنات ، و من أنفسهن مصدر إشعاع و هداية ، و هذا المعنى هو ما أراد الشاعر تخصيصه ليبين لنا فضل العلم على الفتاة في إطار الدين و المثل الإسلامية .


و في النموذج الخامس يخص الشاعر محمد حسن فقي الصِّيد وحدهم - أي الأشراف الكرام - بإنجاب الصِّيد أمثالهم الذين يظهرون البطولة و الإقدام في الملاحم و الحروب .


و أسلوب التخصيص الذي رأيته في النماذج السابقة و هو تخصيص أمر بآخر و قصره عليه يسمى القَصْر ، و قَصَرَ في اللغة بمعنى حَبَسَ ، فالمقصود ( بقصر المعنى أو حبسه ) ( تخصيصه ) .


و لعلك لاحظت من النماذج السابقة استخدام أكثر من وسيلة لإفادة التخصيص أو القصر . ففي الآية الكريمة نجد في الجملة الأولى أداة النفي ( ما ) و أداة الاستثناء ( إلا ) ، و نجد في الحديث الشريف أن وسيلة القصر أو التخصيص في الجملتين ( إنما ) . أما في بيت المتنبي فنلاحظ تقديمه عبارة ( على قدر أهل العزم ) في الشطر الأول على الفعل ( تأتي ) و حقها التأخير لأنها متعلقة بالفعل ، فكأن وسيلة القصر هنا تقديم ما حقه التأخير .

و في النموذج الرابع نجد الشاعر أفاد التخصيص باستخدام أداة النفي ( ما ) و حرف العطف ( بل ) ، أما النموذج الخامس فوسيلة التخصيص أو القصر فيه هي نفسها التي لاحظناها في الآية الكريمة في المثال الأول إلا أنه استخدم أداة الاستثناء ( غير ) مع أداة النفي ( ما ) التي سبقتها .

و من النماذج السابقة يتبين لك أن طرق القصر أربع :

النفي و الاستثناء ، إنما ، العطف بلا أو بل أو لكن  ، تقديم ما حقه التأخير ، كتقديم الخبر على المبتدأ أو بعض معمولات الفعل عليه .

و لعلك لاحظت في النماذج السابقة وجود طرفين في أسلوب القصر مقصور ، و مقصور عليه . فالمقصور في الآية المسيح ابن مريم و المقصور عليه رسول .


 و في حديث الرسول  المقصور في الجملة الأولى الأعمال و المقصور عليه النيات ، و في الجملة الثانية المقصور كل امرئٍ و المقصور عليه ما نوى . أما في بيت المتنبي فالمقصور العزائم و المقصور عليه قدر أهل العزم . و نجد المقصور في بيتي طاهر زمخشري قوله : ( تحليَّن ) و المقصور عليه ( بالذي يجعل الدور جناناً و المحصنات بدوراً ) . أما النموذج الأخير فالمقصور فيه هو قوله : ( ينجب الصيِّد الأشاوس ) و المقصور عليه : ( الصِّيد ) .


و من الطبيعي أن ندرك في كل تعبير ما الشيء الذي أردنا قصره أي تخصيصه ، و على أي شيءٍ قصرناه . و يستخدم أسلوب القصر في تأكيد المعنى و كأنه رد على نفي الوصف عن الموصوف أو ادعاء اشتراك غيره معه في هذا الوصف ، و كلما كان النفي صريحاً كان التأكيد أقوى ، و لهذا نحسُّ في استخدام النفي و الاستثناء وسيلة لرد الإنكار الشديد .

و من السهل أن ندرك مكان المقصور و المقصور عليه لو تتبعنا المعنى في كل تعبير . ففي الطريقة الأولى من طرق القصر يكون المقصور بعد أداة النفي ، و المقصور عليه بعد أداة الاستثناء . كذلك الأمر في العطف بلكن و بل يكون المقصور عليه بعدهما و يكون المقصور بعد أداة النفي . في حين أن العطف بلا يجعل المقصور عليه مقابلا لما بعدها ، كما في قولكِ : محمد كريم لا بخيل ، فالمقصور هو محمد ، و المقصور عليه كريم لأنه مقابل بخيل .

و في حالة التقديم يكون المقصور عليه هو المقدّم و المقصور المتعلق به .





ب . القصر بحسب أنواعه

      


     نماذج

1 - قال الله تعالى:
(وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ )  [ النحل : 77 ] .

2 - قال الرسول: 
 إنما بُعِثتُ لأتَمِّمَ صالح الأخلاق  [ أخرجه البخاري في الأدب و المفرد و البيهقي و ابن سعد ] .

3 - جاء في الأمثال :
 إياك أعني و اسمعي يا جارة .

4 - قال ابن الرومي :
أموالُهُ في رقابِ الناسِ مِنْ مِنَنٍ          لا في الخزائنِ مِنْ عَيْنِ و من نَشَبِ


5 - و قال أيضاً في رثاء ولده :
ما أصبحَتْ دنيايَ لي وَطَناً            بل حيثُ دارُك عِنْديَ الوَطَنُ


     نظرة تحليلية :

عرفتِ من الدرس السابق معنى أسلوب القصر و طرقه و متى يحسن استخدامه ، كما عرفت أنه يقوم على طرفين : المقصور و المقصور عليه ، و إذا نظرت في النماذج التي أمامك لتعيِّني مواضع طرفي القصر في كل منها فستجدين أن الآية الكريمة استخدمت النفي و الاستثناء ، فالمقصور هو أمر الساعة و المقصور عليه كونها كلمح البصر . كما استخدم الحديث الشريف ( إنما ) فالمقصور ( بُعثت ) و المقصور عليه ( كونه متمماً لمكارم الأخلاق ) .


أما المثل في النموذج الثالث فقد استخدم - كما ترين - أسلوب تقديم ما حقه التأخير في قوله : إياك أعني ، و أصل التعبير : أعني إياك ، فالمقصور عليه إياك و المقصور أعني .


و استخدم ابن الرومي في المثال الرابع العطف بلا ، فالمقصور أمواله و المقصور عليه كونها في رقاب الناس ، و استخدم في المثال الخامس النفي و العطف ببل ، فالمقصور الوطن و المقصور عليه الدار التي انتقل إليها ولده و هي قبره . و إذا تأملت النماذج السابقة وجدت أن القصر ينقسم بحسب أنواعه إلى نوعين ظاهرين : الأول : قصر الموصوف على الصفة ، و الثاني : قصر الصفة على الموصوف ، و نعني بالصفة : الصفة المعنوية أي المعنى الذي يقوم بغيره ، و هي أعم من الصفة المعروفة لنا في دروس النحو ، و لذلك تشمل الصفة المعنوية الفعل و نحوه .


و معنى قصر الصفة على الموصوف أن الصفة لا تتعدى الموصوف إلى موصوف غيره ، فهي مختصة به ، مقصورة عليه . أما قصر الموصوف على الصفة فمعناه أن الموصوف لا يفارق الصفة المثبتة له إلى غيرها .


و لنعد إلى النماذج لنرى إلى أي نوع ينتمي كل منها :

في الآية الكريمة 
قصر الموصوف و هو أمر الساعة على الصفة و هي لمح البصر ، و في الحديث الشريف قصر الرسول بعثته و هي الموصوف على إتمام مكارم الأخلاق و هي الصفة .

و في المثل
 قصر الصفة و هي العناية على الموصوف إياك .

أما ابن الرومي في بيته الأول فقد
 قصر الموصوف و هي الأموال على الصفة و هي كونها في رقاب الناس . و نراه في بيته الثاني يقصر الموصوف و هو الوطن على الصفة و هي كونه قد أصبح حيث يقيم ولده .

و تستطيعين في ضوءِ هذا التقسيم لأسلوب القصر بحسب طرفيه أن ترجعي إلى النماذج التي مرت بك في الدرس السابق لتري إلى أي نوع ينتمي كل نموذج منها : قصر الصفة على الموصوف ، أو قصر الموصوف على الصفة ، و لتسألي نفسك بعد ذلك : ما الفرق بين النوعين ، و ما تأثير هذا الفرق في بلاغة الكلام و إصابة المعنى المراد ؟ إنك إذا قلت : ما محمد إلا كاتب ، قصرت محمداً على مهنة الكتابة ، أي قصرت الموصوف على صفة بعينها ، و كان استخدامك هذا التعبير للرد على مَنْ اعتقد أن محمداً شاعر و كاتب ، فأردت أن تبيني له أن الموصوف و هو محمد يقتصر على صفة واحدة و هي الكتابة .


أما إذا استخدمت أسلوب قصر الصفة على الموصوف فستقولين : لا كاتب إلا محمد ، و سترين هنا أن المعنى تغير تماماً ، الغاية التي قصدتِها من هذا التعبير . فأنت هنا تقصرين صفة الكتابة على محمد و هو الموصوف ، و يكون ذلك رداً على من اعتقد أن غير محمد يشترك معه في هذه الصفة ، و أردت أن تنفي ذلك الاعتقاد و تقصري الكتابة على محمد وحده .


 




جـ . القصر بحسب الحقيقة و الواقع

    

   نماذج

1 - قال الله تعالى  :
(
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هو) . [ الأنعام : 59 ]

2 - قال تعالى : 
  (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ)
 [ آل عمران : 144 ] .

3 - قال لبيد بن ربيعة :
و ما المرءُ إلا كالشِّهاب وضوئِهِ           يَحورُ رماداً بعد إذْ هو ساطِعُ


4 - قال حسان بن ثابت :
و إنما الشِّعرُ لُبُّ المرءِ يعرِضُهُ         على المجالس إنْ كَيْسَاً و إن حُمُقَا


5 - قال السَّيِّد الحَمْيَرِي :
لو خُيِّرَ المنيرُ فرسانَهُ            ما اختار إلا منكُمُ فارسا


    نظرة تحليلية :
عرفنا من الدرس السابق أن أسلوب القصر ينقسم بحسب طرفيه المقصور و المقصور عليه إلى : قصر الصفة على الموصوف ، أو قصر الموصوف على الصفة ، و لو تأملت النماذج التي نعرضها عليك الآن في ضوء الحقيقة و الواقع لوجدت أن قوله تعالى في الآية الكريمة يعني أن : العلم بأسرار الغيب مقصور على الله سبحانه و تعالى بحيث لا يتجاوزه إلى غيره ، و هذه حقيقة لا شك فيها ، و لهذا نقول إن أسلوب


القصر هنا قصر صفة على موصوف
 قصراً حقيقيًا . أما الآية الثانية فالتخصيص فيها أن محمداً -   - رسول ، و لكن ليس معنى هذا التخصيص أنه لا يتجاوز الرسالة إلى شيءٍ آخر يمكن أن يتصف به ، فكونه رسولاً يؤكد كونه بَشَراً لا ملَكاً و لكنه لا ينفي صفات أخرى يمكن أن تضاف إليه ككونه عربيًّا ، قرشيًّا ، أميًّا ... إلخ .

فالقصر هنا ليس حقيقياً لأننا قصرنا الموصوف على صفة يمكن أن يجتمع معها غيرها ، فالمقصور مختص بالمقصور عليه بحسب الإِضافة إلى شيءٍ آخر معين و هي صفة الرسالة المتضمنة صفة البشرية و التي لا تمنع أن تجتمع معها صفات أخرى . و الإضافة تكون بحسب اعتقاد المخاطب فإذا قلت : ما المتنبّي إلا شاعر فأنتِ تقولين ذلك لمن يعتقد اتصافه بالشعر و الكتابة معاً ، أو بالكتابة دون الشعر ، أو لمن كان متردَّداً بين الصفتين فأردت أن تحدِّدي له واحدة منهما . و لهذا نسمي هذا النوع من القصر إضافيًا .


و نجد في المثال الثالث أنَّ المرء مقصورٌ على كونه مثل الشهاب ، ربما تراه مشرقاً ساطعاً ، ثم لا يلبث أن يحترق و يتحول إلى رماد ، و كذلك الإنسان ربما وافته مَنِيَّته و هو أتمُّ ما يكون صحة و قوة . و نوع هذا القصر باعتبار طرفيه - كما ترين - قصر موصوف على صفة ، فإذا نظرنا إليه من ناحية الحقيقة و الواقع وجدناه قصراً إضافياً لأن تخصيص المرء بكونه كالشهاب ليس أمراً حقيقيا بحيث لا يتعدى الموصوف هذه الصفة إلى غيرها .


كذلك الأمر بالنسبة إلى قول حسان بن ثابت فقد قصر الشعر على كونه لبَّ المرءِ فقصر موصوفاً على صفة قصراً إضافياً ، لأن الشعر كما يمثِّل في قول حسان عقل المرء و فكره ، يمثِّل عند غيره شعوره و حسه ، أو روحه ، أو وجدانه ، فالموصوف مختص بالمقصور عليه بالإضافة إلى صفة بعينها و بحسب اعتقاد المخاطب .


و في المثال الأخير نجد الشاعر يقصر صفة على موصوف ، فالمنبر لن يختار فارساً إلاَّ منهم إذا تُرك له مجال الاختيار ، و القصر هنا - كما هو واضح - ليس حقيقياً باعتبار الواقع ، فالمنبر لن يختار فارساً منهم و لا من غيرهم ، إذ يستحيل أن يحدث ذلك ، و لكن الشاعر أوهمنا بهذا القصر الإِضافي بإمكان تحقيق ذلك .


و لعلَّنا لاحظنا من الأمثلة السابقة أن الأول منها كان - باعتبار طرفيه - قصر صفة على موصوف ، و كان - باعتبار الحقيقة و الواقع - 
قصراً حقيقيًا .

أما الأمثلة الثلاثة الأخرى فكانت قصر موصوف على صفة و كان
 القصر فيها إضافياً . كذلك كان المثال الأخير قصر صفة على موصوف و كان القصر فيه إضافيًّا .

و القصر الحقيقي يكثر في قَصْرِ الصفة على الموصوف ، و يندر في قصر الموصوف على الصفة ، بينما يأتي القصر الإضافي كثيراً في قَصْر الصفة على الموصوف و قصر الموصوف على الصفة ، و هو يرتبط إلى حد كبير بالقدرة على التخييل و الإيهام و تقريب غير الممكن و البعيد بحيث يصير ممكناً و قريباً ، كما نرى في الأمثلة التي مرّت بنا ، و هو مجال رحيب يبدع فيه الشعراء و الكُتَّاب و يظهرون به قدرتهم على التخييل و التصوير .


و هكذا نرى أن القصر ينقسم بحسب الحقيقة و الواقع إلى قسمين :

قصر حقيقي : و فيه يختص المقصور بالمقصور عليه من ناحية الحقيقة و الواقع فلا يتعداه إلى غيره قط .

و قصر إضافي : و فيه يختص المقصور بالمقصور عليه عن طريق الإضافة إلى صفة بعينها أو موصوف بعينه بحسب اعتقاد المخاطب . 









الإيجاز والإطناب

{ الإيجاز والإطناب }

* الإيجاز : هو أداء المعنى الكثير باللفظ القليل من غير إخلال بالمعنى ، والإيجاز نوعان :
1 ـ إيجاز بالقِصر .
2 ـ إيجاز بالحذف.

(1) ـ إيجاز القِصر : وهو أن تتضمن العبارات القصيرة كثيراً من المعاني ، دون حذف
لبعض ألفاظها .
الأمثلة :
· قال تعالى : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " .
· قال تعالى : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " .
· قال الشاعر :
إن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل

(التوضيح )

لو تأملنا الأمثلة السابقة ، لوجدنا في المثال الأول أن الآية الكريمة قد جمعت في ألفاظها القليلة كثيراً من المعاني والصفات الحميدة ، ففي العفو الصفح عمن أساء ، والأخذ بمبدأ التسامح ، وفي الأمر بالمعروف صلة الرحم ، والعطف على ذوي القربى ، ومنع اللسان عن الغيبة والكذب ، وغض الطرف عن المحرمات ، وفي الإعراض عن الجاهلين الصبر وكظم الغيظ والحلم والأناة .
وفي المثال الثاني ، نجد أن الآية الكريمة تضمنت سراً من أسرار التشريع في الحياة وفي سعادة المجتمع ، وحفظ كيان البشر ، ذلك أن الإنسان متى علم أنه إذا قَتَل قُتِل ، دعاه ذلك إلى أن يكف عن القتل ؛ خشية القصاص منه .
وفي المثال الأخير نجد أن البيت قد اشتمل على مكارم الأخلاق جميعها من سماحة وشجاعة وعفة وتواضع وحلم وصبر وغير ذلك .

 ( 2 ) ـ إيجاز الحذف : ويرتكز هذا النوع على القاعدة النحوية التي ترى جواز حذف ما يعلم ، ما دام حذفه لا يؤدي إلى لبس في المعنى ، أو غموض فيه .
الأمثلة :
· يقول الشاعر :
رأيت الخمر جامدة وفيها خصال تفسد الرجل الحليما
فلا والله لا أشربها حياتي ولا أسقي بها أبداً نديمـــــا
· يقول الله ـ تعالى ـ : " واسأل القرية التي كنا فيها " .
· يقول الله ـ تعالى ـ " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر "
· يقول الله ـ تعالى ـ : " وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا " .
· يقول الله ـ تعالى ـ : " وعندهم قاصرات الطرف أتراب " .
· يقول الله ـ تعالى ـ " إلا من تاب وآمن وعمل صالحا " .

( التوضيح )

ففي المثال الأول فقد حذف في البيت الثاني حرف " لا " ، إذ التقدير" لا أشربها " ، وفي المثال الثاني حذف المضاف ، إذ التقدير " واسأل أهل القرية " ، وفي المثال الثالث حذف المضاف إليه ، إذ التقدير " بعشر ليال " ، وفي المثال الرابع حذف الصفة ، إذ التقدير
" كل سفينة صالحة " ، وفي المثال الخامس حذف الموصوف ، إذ التقدير " حورقاصرات " ، وفي المثال الأخير إيجاز بحذف المصدر ، إذ التقدير " عملاً صالحاً " .
  






الإطناب

*الإطناب : وهو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة ، وإلا كانت حشواً يفسد المعنى .
أو هو تفصيل أو تفسير الكلام القصير القليل بكلام كثير يوضح ويؤكد المعنى المجمل .


{ أنواع الإطناب }

( أ ) ـ الإطناب بالترادف :
 وهو الإتيان بكلمتين أو جملتين بينهما ترادف ، كقول واصل بن عطاء في خطبة له : " لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه "
فهو إطناب بالترادف ؛ لأن العبارة الثانية جاءت لتؤكد معنى العبارة الأولى .

 ( ب ) ـ إطناب الإيضاح بعد الإبهام :
وهو أن يؤتى بالمعنى مبهماً أو مجملاً ، ثم يورد بعده ما يفسره .

الأمثلة :
كقوله تعالى :
" وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين " .
نجد أن الآية الكريمة سلكت طريق الإجمال أولاً ، ونحن نريد أن نعرف ما الأمر الذي قضاه الله إلى لوط ـ عليه السلام ـ الذي تأتي به الآية لتوضحه ، وهو أن هؤلاء الضالين هالكون ومقطوع دابرهم .
ويقول الشاعر :
شيئان ما عيب البكاء عليهما فقد الشباب وصحبة الآلاف
وكقول الآخر :
فما زلت في ليلين : شَعْر وظلمة وشمسين : من خمر ووجه حبيب
ففي المثالين السابقين أتى بمثنى مبهم ، يفسر باسمين يعطف أحدهما على الآخر ، ويطلق عليه " التوشيع " .

 ( ج ) ـ إطناب التكرار :
وهو إعادة اللفظ أو الجملة مرة أو أكثر لأغراض ، منها : ( التقرير ، الفخر ، التهديد ، النصح ، ......... ) .
كقول الله ـ تعالى ـ : " فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً " .
ففي الآية السابقة لإطناب بالتكرار لتوكيد المعنى وتقريره في النفوس .
وكقوله تعالى : " كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون " .
ففي الآية الكريمة إطناب بالتكرار للتوكيد والتهديد والإنذار .

 ( د ) ـ إطناب التكميل :
ويسمى أيضاً " الاحتراس " وهو أن يكون الكلام محتملاً خلاف المقصود منه فيؤتى بكلام آخر مزيل للاحتمال غير المقصود .
كقول الله ـ تعالى ـ : " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " .
فالآية الكريمة قد وصفت المؤمنين بأنهم أذلة مع إخوانهم المؤمنين ، ولو اقتصرت على هذا الوصف لتوهم أن تلك الذلة لضعفهم ، فأتى على سبيل التكميل والاحتراس بقوله : " أعزة على الكافرين " ؛ دفعاً لهذا التوهم ، وإشعاراً بأن تلك الذلة تواضع منهم .

وكقول الشاعر :
فسقى ديارك غير مفسدها صوت الربيع وديمة تهمي
* ديمة : مطر طويل . * تهمي : تنهمر .
ففي قول الشاعر غير مفسدها احتراس يتم به الدعاء لديار الحبيبة ، وبدون هذه الجملة يحتمل أن يكون كلامه دعاء عليها لا لها ؛ لأن المطر كما يكون حياة يكون سبباً في الخراب والدمار أحياناً أخرى .

 ( هـ ) ـ إطناب التتميم :
وهو أن يزاد في الكلام زيادة ، لا لإزالة غير المقصود ،بل لفائدة أخرى .
مثال :
يقول الله ـ تعالى ـ : " من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة " .
البيان : فقوله عزَّ وجلَّ : " وهو مؤمن " تتميم للمعنى ؛ لأن العمل الصالح لا يؤتي ثماره الطيبة التي وعدت بها الآية الكريمة إلا إذا كان مرتكزاً على أساس من الإيمان ، إذ بدون الإيمان لا جدوى من هذا العمل .

 ( و ) ـ إطناب بالجمل الاعتراضية :
 وهو أن يؤتى في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين في المعنى بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب ، وله أغراض كثيرة كالذم والدعاء والتنزيه و ..........
مثال :
" واعلم ـ حفظك الله ـ أن المال والبنين فتنة " .
البيان : " حفظك الله " جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب ، جاءت في وسط الكلام للدعاء .

 ( ز ) ـ إطناب الإفادة من الحديث :
مثال :
قال تعالى " وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى " .
البيان : فيما سبق إطناب فيه سعادة بإطالة الحديث مع الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فقد كان يمكن لسيدنا موسى ـ عليه السلام ـ أن يقول : " هي عصاي " ، ولكنه استمر في تفصيل فوائد العصا ؛ إظهاراً لحبه و وسعادته بهذا الحديث .

 ( ح ) ـ إطناب التوكيد والتعليل :
مثال :
قال تعالى : " واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور " .
البيان : جاءت " إن " للتوكيد ، و " من عزم الأمور " تعليل لما قبله .

 ( ط ) ـ الإطناب بذكر الخاص بعد العام : ( هذا النوع من الإطناب  يكثر السؤال عنه في قياس)
وذلك للتنبيه على فضل الخاص .
مثال :
قال تعالى : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " .
البيان : حيث عطف الصلاة الوسطى على الصلوات ؛ لزيادة الاهتمام بها .

 ( ي ) ـ إطناب بذكر العام بعد الخاص : ( هذا النوع من الإطناب  يكثر السؤال عنه في قياس)
وذلك لإفادة العموم .
مثال :
قال تعالى : " ربِّ اغفر لي ولوالديَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بيتي مُؤْمِنَاً وللمؤمنين والمؤمنات " .
توضيح : فقد ذكر الله ـ سبحانه ـ " المؤمنين والمؤمنات " وهما لفظان عامان ، والغرض من هذا إفادة الشمول مع العناية بالخاص .


 ( ك ) ـ إطناب التذييل :
وهو تعقيب الجملة بجملة أخرى تشتمل على معناها توكيداً لها .
مثال :
قال الحطيئة :
تَزُورُ فَتىً يُعطِي على الحمد ماله ومَنْ يُعْطِ أثمان المحامدِ يُحمَّدِ
البيان : ففي المثال السابق عقب الجملة بجملة أخرى تشتمل على معناها توكيداً لها ، حيث إن المعنى قد تمَّ في الشطر الأول ، ثمَّ ذيَّل بالشطر الثاني للتوكيد .







المساواة


(المساواة)
هي الأصل في تأدية المعنى المراد، فلا تحتاج إلى علّة، واللازم الإتيان بها حيث لا توجد دواعي الايجاز والإطناب، وهي على
قسمين:

1 ـ المساواة مع رعاية الاختصار، وذلك بتأدية المراد في ألفاظ قليلة الاحرف كثيرة المعنى، نحو قوله تعالى: (هل جزاء الاحسان إلا الإحسان)
2 ـ المساواة من دون اختصار، وذلك بتأدية المعنى المراد بلا رعاية الإختصار، نحو قوله تعالى: (كلّ امرىء بما كسب رهين) وقوله سبحانه: (وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله)
ونحو قوله: (صلى الله عليه وآله وسلم): (انّما الاعمال بالنيّات ولكلّ امرىء ما نوى) فإن الكلام في هذه الامثلة لا يستغنى عن لفظ منه، ولو حذفنا منه ولو لفظاً واحداً لاختلّ معناه، وذلك لأنّ اللّفظ فيه على قدر المعنى لا ينقص عنه ولا يزيد عليه.



مرجع آخر للإيجاز والإطناب والمساواة







علم البديع

 فرع من علوم البلاغة يختص بتحسين أوجه الكلام اللفظية والمعنوية.

فنون علم البديع هي:
1)- الطباق
2)- المقابلة
3)- المبالغة
4)- المذهب الكلامي
5)- المشاكلة
6)- تجاهل العارف
7)- تأكيد المدح بما يشبه الذم
8)- تأكيد الذم بما يشبه المدح
9)- التورية
10)- المزاوجة
11)- حسن التعليل
12)- التجريد
13)- السجع
14)- لزوم مالا يلزم
15)- الجناس
16)- رد الأعجاز على الصدور
17)- القول بالموجب + الإرصاد >> 
من كتاب الإيضاح في علوم البلاغة


علم البديع قسمان فنان مشهوران: علم البديع المعنوي وعلم البديع اللفظي؛ ويسمونه وجوه التحسين المعنوية ووجوه التحسين اللفظية، قسَّم العلماء البديع إلى هذين القسمين الكبيرين, وهذا تقسيم اجتهادي لاحظوا أن فنون البديع المعنوي يأتي حسنها وجمالها ولطافتها تأتي من جهة معناها, وذلك (كالطباق والمقابلة واللف والنشر والتورية والتجديد والمبالغة وتأكيد المدح بما يشبه الذم, وحسن التقسيم والجمع وحسن التعليل والأسلوب الحكيم وغير ذلك).

القسم الثاني من البديع هو البديع اللفظي وذلك أنهم لاحظوا أن الحسن فيه ووجه الحسن فيه يظهر من جهة لفظه لا يعني أن معناه ليس فيه حسن بل فيه حسن لكن الخلابة والبداعة والظرافة والتجويد والتحسين تبدأ وتظهر وتنقدح في ذهن السامع من جهة لفظه وذلك وأشهره (الجناس وكذلك السجع والموازنة والفواصل بشكل عام ورد الأعجاز على الصدور والاقتباس وغير ذلك).

أن الطباق من أشهر فنون البديع, وأن علم البديع بشكل عام عند علماء البلاغة هو الفن أو العلم الثالث من علوم البلاغة



الطباق حقيقة لو نظرنا إلى تعريفه اللغوي فإنه يسمى طباقًا وتطبيقًا وتضادًّا, والمطابقة في الأصل اللغوي مأخوذة من أن يضع البعير رجله في موضع يده فإذا فعل ذلك قيل: طابق البعير في مشيه بأن يضع رجله في موضع يده عندما يسير ويتنقل في الصحراء فيكون هنا مطابقة للشيء.
والخليل بن أحمد الفراهيدي العالم اللغوي يقول: طابقت بين الشيئين إذا جمعت بينها على حد واحد, وحقيقة كأن المعنى اللغوي يقرب إلى المعنى الدلالي الاصطلاحي فإن المطابقة وهي أن تجمع بين المعنيين المتضادين في الجملة كما فسرها أو بينها الخطيب بأن يجمع المتكلم بين المتضادين في الكلام بين معنيين متضادين في الكلام كالطول والقصر والليل والنهار والسواد والبياض والعلو والدنو وغير ذلك؛ فإن هذا التصرف بهذه الصورة يعد طباقًا فكأنك تطابق بين الشيئين تجعل الشيء ضد ما يقابله, ويطابقه من جهة التضاد, وكأنه يخفيه أو يقع عليه, وعلى هذا فإن الجمع بين شيئين متضادين في الكلام يعد طباقًا, هذا هو بهذا المعنى هو الطباق في الكلام بشكل عام.من أمثلة ذلك ومن شواهده قد يكون الطباق بين حرفين كقوله تعالى في آخر سورة البقرة: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْفنلاحظ أن الآية الحكيمة هنا اللام تفيد الملكية وعلى تفيد التحمل والمحاسبة والتدقيق فقوله: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ أي تنتفع به وقوله: ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ أي تحاسب عليه وتجازى به فطوبق ووقع التضاد بين اللام التي تفيد التملك وعلى التي تفيد التحمل والمحاسبة والتدقيق في هذا الآية الحكيمة هذه الحقيقة لا ينبغي أن نقف عند ظاهر لفظها فقط وإنما ينبغي أن نقف على دلالاتها فنلحظ أن في الآية الكريمة هذه جاءت في مقامات الخير والتملك والانتفاع والتكريم بقوله: ﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْوجاءت في مقامات التحمل والمحاسبة قوله:﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ



بيان أنواع الطباق فهناك ما يسمى بطباق الإيجاب وطباق السلب وإيهام التضاد.
فأما طباق الإيجاب فهو أنه يصرح فيه بذكر الضدين من غير أن يكون نفي في الجملة من أحدهما من ذلك قوله عز وجل: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا  وهذا في حق العصاة عندما يتوبون إلى الله عز وجلإلى الله متابا ويحسنون توبتهم ويقبلون على الله تعالى فسيئاتهم السابقة تنقلب وتبدل حسنات وهذا من أعظم التكريم لعباده عز وجل وهو من أعظم الإغراء للفساق والفجار؛ لأن يتوبوا إلي الله عز وجل ويتوب إلى رشده لأن الله عز وجل ستكون سيرتهم وصفحاتهم السابقة خيرات وحسنات فيجازيهم الله عليها ولا يكون بينهم ولا في أنفسهم أيضًا حرج ولا حزن ولا شيء على ما مضى وإنما ينبغي أن يحسنوا إقبالهم على الله عز وجل ويحققوا شروط التوبة المعتبرة وهي الإقلاع عن الذنب والندم على ما فات والعزم على ألا يعود وإذا كان ثمة مظلمة مالية أو غير ذلك في حق آدمي؛ فإن على التائب أن يستتيب أو أن يقدم معذرته وتوبته, ويرد الحقوق إلى أصحابها التي أخذها منهم.من ذلك كما ذكرنا قوله عز وجل: ﴿بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ  الآية الأولى قوله عز وجل: ﴿ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ هنا الحسنات جاءت في مقابلة السيئات وهذا ليس فيه إلا على سبيل الإيجاب والتقريب ليس فيه نفي لأحد الطرفين ﴿بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ الرحمة والعذاب جاءتا متضادتين هنا.
طباق السلب الذي سيبين طباق الإيجاب طباق السلب وهو ما لم يصرح فيه بإظهار الضدين أو هو ما اختلف فيه الضدان إيجابًا وسلبًا؛ بأن يكون في الجملة إثبات ونفي من ذلك قوله عز وجل: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ نلاحظ أن الجملة الأولى مثبتة جملة: ﴿ يَعْلَمُونَ ونلاحظ أن الجملة المضادة لها جاء التضاد فيها على سبيل النفي ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ فقوله: ﴿ لَا يَعْلَمُونَ مضاد لقوله: ﴿ يَعْلَمُونَ﴾ لأن العلم إثبات قوله: ﴿ يَعْلَمُونَ﴾ إثبات العلم لهم وإسناده إليهم وقوله: ﴿ لَا يَعْلَمُونَ﴾ نفي للعلم عنهم فهذا سلب وذاك إيجاب فيسمى هذا طباق السلب؛ لأن الجملة جاء الطرف الأول فيها مثبتًا, وجاء الطرف الثاني فيها منفيًّا.فالجواب هنا في الآية الحكيمة استفهام وهو مجازي أيضًا؛ لأن الغرض البلاغي من هذا هو النفي ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الجواب: لا يستوون؛ الذين يعلمون يشرفون ويعظم قدرهم أمام الذين لا يعلمون الجهلة لا شك أن الجهتين والفريقين متفاوتان ومتباعدان في الاستواء.من ذلك ما يسمى بإيهام التضاد بأن يكون بين اللفظين في ظاهرهما تضاد, ولكنه في حقيقة أمرهما ليسا كذلك مثلا قول الخزاعي دعبل:
لا تعجبي يا سلم من رجل        ضحك المشيب برأسه فبكى
فإن الضحك حقيقة هو من جهة المعنى ليس بضد البكاء الضحك في حد ذاته ليس من جهة المعنى بضد البكاء؛ لأنه كناية عن كثرة الشيب ولكنه من جهة اللفظ يوهم المطابقة, والضحك من حيث لفظه هو ضد البكاء, ولكن من حيث المعنى؛ المعنى استعاري هنا ضحك المشيب كناية عن ماذا؟ عن اشتعال وظهور الشيب في رأسه, وظهور الشيب ليس مضادًا حقيقة للبكاء, ولا البكاء مضاد لظهور الشيب, ولكن اللفظين من حيث إطلاقهما متضادان؛ فهذا يسمى بإيهام التضاد؛ لأن اللفظ في ظاهره يوهم التضاد, ولكنه في مراده في البيت نفسه يُراد به ظهور الشيب وبدوه ليس مضادًّا للبكاء نفسه, ولهذا وقع فيه خلابة بديعية ولفظية وهو يسمى بإيهام التضاد.
هناك نوع للطباق يسمى التضاد الخفي أو الطباق الخفي والطباق الخفي هو تضاد بين معنيين قد يكون أحدهما ظاهرًا والآخر خفيًّا يحتاج إلى تمعن وتفكر وتدبر وتأمل فقد يكون ذلك المعنى مضادا للمعنى المذكور, ولكن بعد إبرازه وإجلائه وأيضًا كشفه من ذلك قوله عز وجل عن آل فرعون: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فإدخال النار حقيقة ليس ضد الإغراق في المعنى الظاهري, ولكنه يستلزم منه ما يقابله وهو الإحراق إدخالهم النار يستلزم إحراقهم فإن من دخل النار فإنه يحترق والاحتراق حقيقة هو ضد الغرق لماذا؟  لأن الذي يطفئ النار هو الماء والغرق نفسه دليل على وفرة الماء وعلى غزارته فكان هذا طباقًا خفيًّا في قوله عز وجل: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا الحقيقة الإدخال في النار لا يكون مضادا للغرق, ولكن لما كان إدخال النار ينتج عنه الحرق, والحرق نفسه يضاده الماء, كان هذا الطباق خفيًّا من هذا الوجه.
وينبغي أن نتنبه إلى هذه الآية الحكيمة وأنها جرت في سياق آل فرعون وفي صفاتهم وهو أنهم علوا واستكبروا وأطاعوا طاغيتهم فرعون الذي قال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي وقال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى فأخذه الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر من حيث لم يحتسب؛ لأنه لما تبع موسى عليه السلام في البحر فإنه لما تكامل نجاة موسى عليه السلام من البحر, وتكامل أيضًا فرعون وقومه في لجة البحر ووسطه أطبق الله عز وجل البحر عليهم حتى غرقوا, ثم أعلن إيمانه لما غرغر أو رأى الموت عيانًا بيانًا قال: ﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ فانظر إلى استكباره حتى وقت الغرق استكبر وأدبر قال: ﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ لم يقل: آمنت بالله أو وحدت الله أو شيئًا من ذلك, حتى في هذه الحالة وإنما هذا دليل وبرهان وإشارة على استكباره وعلى طغيانه.الحاصل أن هذه الآية الحكيمة فيها إشارة وإثبات إلى ما يذهب إليه أهل السنة والجماعة وهو حقيقة أيضًا نعيم القبر وعذابه فإن هؤلاء وهم قوم فرعون معذبون في قبورهم ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا
وأيضًا كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ  إذن هم يُعرضون على النار ويعذبون في قبورهم -نسأل الله السلامة والعافية- وكذلك في الآخرة لهم أشد العذاب يوم القيامة.
من أمثلة التضاد والطباق الخفي قوله سبحانه وتعالى: ﴿محمد رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ فالمطابقة هنا حقيقة الجمع بين الشدة والرحمة فلفظة: ﴿رُحَمَاءُ ﴾ حقيقة ليست ضدًّا في المعنى لأشداء ولكن الرحمة تستلزم اللين واللطافة, واللين نفسه مقابل للشدة؛ فوقع الطباق من هذا الوجه ﴿محمد رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ فالشدة لا تقابل الرحمة, ولكن الرحمة ينتج عنها اللين, واللين إذا نظرت إليه ودققت فيه يُقابل أو يُضاد الشدة؛ فكان طباقًا خفيًّا من هذا الوجه بهذا التأويل.





تعريف الطباق وبيان أنواعه(ملخص سريع)
الطباق من فنون علم البديع، وهو من البديع المعنوي؛ الذي يرجع الحسن فيه إلى المعنى.
والطباق لغة: الجمع بين الشيئين .          وفي الاصطلاح: الجمع بين معنيين متضادين في الكلام؛ كالطول والقصر، والحياة والموت، والإيمان والكفر.
وقد يقع بين نوع واحد؛ كأن يكون اللفظان اسمين نحو﴿ اللهُ وَلِي الذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظلُمَاتِ إِلَى النورِ  ﴿وَأَنهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾ أو بين فعلين نحو ﴿ وَأَنهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾  أو بين حرفين نحو ﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ أو بين نوعين مختلفين؛ كفعل واسم نحو ﴿وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللهِ﴾
والطباق نوعان:طباق إيجاب: لا نفي فيه؛ كما تقدم.
وطباق سلب: وهو ما وقع فيه إثبات ونفي، أو أمر ونهي نحو﴿ وَلَكِن أَكْثَرَ الناسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ  الْحَيَاةِ الدنْيَا﴾ ونحو ﴿فَلَا تَخْشَوُا الناسَ وَاخْشَوْنِ﴾






المقابلة:
أنَّ المقابلة غالبًا تُدرس ويدرسها البلغاء بعد فن الطباق لأنها أشبه بالفرع عنه؛ يعنى المقابلة أَشبه بالفرعِ عن الطباق والطباق هي الأساس والرأس ولذلك َ فإنَّ بعض البلاغيين لا يعتبرون المقابلة فنًا مستقلا فبعضهم يُدرجُها في عمومِ الطباق لأنَّ الطباق نفسهُ قائم على التضاد,
الطباق: أنه يجمع في الكلام بين معنيين متضادين؛ أن يجمع في الكلام بين معنيين متضادين كالطول يقابل القصر، والسواد يقابل البياض والسماء تقابلها الأرض وهكذا.ولذلكَ لما كانت المقابلة نفسُها قريبةً من هذا فإنهم عدُّوها من الطباق نفسهِ مندرجةً فيه لكنَّ بعض العلماء لم يرى هذا الرأي وإنما عدها فنًا مستقلًا لكونها يكون التضاد فيها والتقابل فيها بين معانٍ متعددة, وأما الطباق فإن التقابل فيه أو التضاد فيه يكون بين معنيين يُذكر الأول ثمَّ يُذكر ما يضاده في المقام الثاني, أما المقابلة فإنها يمكن أن تُعرف بأنها أن يُؤتى بمعنيين متوافقين أو بمعانٍ متوافقة ثمَّ يُؤتى بما يقابلها أو يضادها على الترتيب بهذهِ الصورة .ولذَلِك كما لكنَّ الكثير أو الجمهور على أنَّها منفصلة وعلى أنها مستقلة
هل المقابلة مستقلةٌ عن الطباق أو هي مندرجة في حكمه وفى عرفه وفي تعريفه؟ على رأيين لأنَّها فنٌ بديعي أخاذ رائعٌ جدًا يوضح معاني ويبينها لأنَّ الأضداد بضدها تتمايز، ولأنَّ الأضداد إذا كثرت وجئ بما يقابلها على الترتيب انقدح المعنى وبان؛ لأنَّ الحُسن يُظهر حسنه الضد الذي يقابله فإذا كثرت التقابلات والمقابلات فعندئذٍ انجلت المعاني وانكشفت وتميزت.
حقيقة صحة التقابل تتم في توخي الكلام بمعنى أن يكون المتكلم مُتوخيًا المراد ومدققًا ومحققًا غير متكلف لا ينبغي أن يتكلف في المتقابلات ِويتعسف, بل كما ذكر الشيخ القاهري يجعل المعنى أو المقام هو الذي يولد المعنى ثمَّ المعنى يصطاد المتكلمُ لهُ لفظًا ينقُلُهُ إلي الآخرين من غير تكلف ومن غير تعسف؛ لأنَّ التكلف حقيقةً يُذهب روح الكلام ويفسد لُبَّهُ ويجعل الكلام نفسهُ أمام السامعين غير مقبولٍ وممجوج.
 الآن بان لنا الفرق بين المطابقة والمقابلة:
 والفرق بين المطابقة والمقابلة هو أنَّ الطباق أو المطابقة لا تكون إلا بالجمع بين الشيء  والطول ضدهُ القصر والسماء ضدَّها الأرض و الماء ضدهُ النار وهكذا,أما المقابلة فتكون غالبًا بالجمع بين أربعة أشياء معنيان مذكوران أولًا ثمَّ يذكر ما هو ضدهما ثانيًا, قد يكون ثلاثة معاني تقابل ثلاثة، وقد تكون أربعة معاني تقابل أربعة، وقد تكون خمسة معاني تقابل خمسة وهذا من أكثر ما اُشتُهر به وسنذكر بعد ذلك التفصيل في هذا, يلاحظ أيضًا أن الفروق بين الطباق والمقابلة؛ أنَّ الطباق نفسهُ لا يكون إلا بالأضداد على حين أنَّ المقابلة تكون بالأضداد وبغير الأضداد وإن كانت في الأضداد تكون أعلى رتبة أعظمَ موقعًا كقولهِ سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ ونلاحظ أنَّ الليل والنَّهار ذُكرَ ثمَّ ذكر ما يناسب الأول للأول والثاني للثاني فقال: ﴿جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ فالسُكنى تكون بالليل والابتغاء والحركة وطلب الرزق يكون غالبًا بالنَّهار؛ ذكر معنيين ثمَّ ذكر ما يقابلهما ذلك على الترتيب كما هو ظاهر.
من أنواع المقابلة العلماء قسموا المقابلة حقيقةً إلى أربعة أقسام,
المقابلة ذكر معنيان أو أكثر ثمَّ يُذكر ما يقابلها على الترتيب ذكروا أقسامها  تصل أنواعها إلى ستة أنواع:
١- مقابلة اثنين باثنين: نحو قوله:﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾[التوبة
 ٢- مقابلة ثلاثة بثلاثة: نحو قوله : _﴿ يُحِل لَهُمُ الطيبَاتِ وَيُحَرمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ _ في صفة النبي _
 ٣- مقابلة أربعةٍ بأربعة: كقوله ﴿فَأَما مَنْ أَعْطَى وَاتقَى وَصَدقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسرُه لِلْيُسْرَى وأما من بخل واستغنى وَكَذبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسرُه لِلْعُسْرَى﴾
٤- مقابلة خمسة بخمسة:  كقول المتنبي:
أَزورهم وسواد الليل يشفعُ لي             وأنثني وبياض الصبح يغُرِى بي.

٥- مقابلة ستة بستة: كقول الأعشى:
على رأس عبدٍ تاجُ عز يزينه                   وفي رجلِ حُر قيد ذل يشينُه
**تذكير: المقابلة من  أنواع البديع ا المعنوي.

س ١ ما الفرق بين المقابلة والطباق؟
الفرق بينهما هو أن المقابلة تكون بين معنيين فأكثر ثم بما يقابلها على الترتيب، وأما الطباق فيكون بين معنى واحد وضده.







السجع وبيان أنواعه

 ما السجع في اللغة ومن أي أنواع البديع؟
هو مأخوذ من سجع الحمام إذا هدل على جهة واحدة. والسجع من البديع اللفظي.
 ما تعريفه في الاصطلاح؟
هو اتفاق الفواصل في الحرف الأخير أو في الوزن أو فيهما معًا.

ما أقسامه؟
أ‌-        إذا اتفقت الفاصلتان في الحرف الأخير دون الوزن سمي سجعا مطرفًا كقوله تعالى:
﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾
ب - وإذا اتفقت الفاصلتان في الوزن دون الحرف الأخير سمُي المتوازن كقوله تعالى : ﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾
ج - وإذا اتفقت الفاصلتان في الوزن والحرف الأخير معًا سمُي المتوازي؛ كقوله تعالى ﴿فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ﴾

ما المراد بالفاصلة؟ هي الكلمة الأخيرة من فِقَر الجُمَل.







 الجناس تعريفه وأنواعه



  ما معنى الجناس في اللغة؟ ومن أي أنواع البديع؟
الجناس في اللغة مأخوذ من المجانسة؛ وهي المشاكلة والمشابهة. وهو فن من البديع اللفظي.
ما تعريفه في الاصطلاح؟
 هو تشابه اللفظين في النطق، واختلافهما في المعنى؛ نحو سعيد هو السعيد في أهله.
 ما أشهر أقسام الجناس؟
الأول: الجناس التام؛ وهو ما اتفق فيه اللفظان في أربعة أمور؛ في نوع الحروف وهيئتها ( الحركات والسكنات) وعددها وترتيبها.نحو قوله ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ الساعَةُ يقُْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ فالجناس التام بين: الساعة وساعة
.الثاني: الجناس المحرف؛ وهو ما اختلف فيه اللفظان في هيئة الحروف، واتفقا في نوعها وعددها وترتيبها؛ مثل البدعة شَرَك الشرْك.
الثالث: الجناس الناقص وهو: ما نقصت منه حروف أحد اللفظين عن الآخر مع اتفاق الباقي في النوع والهيئة والترتيب؛ مثل: جَدي وجُهْدِي.
الرابع: الجناس المضارع؛ وهو ما اختلف فيه اللفظان المتشابهان في نوع حرف واحد منهما مع تقاربهما في النطق؛ كقوله تعالى﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبهَا نَاظِرَةٌ﴾ .ويلحق بالجناس نوع يقال له جناس الاشتقاق، وهو ما اجتمع فيه اللفظان في الاشتقاق؛ كقوله ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدينِ الْقَيمِ﴾








من المحسنات البديعية المعنوية
حسن التعليل ، الأسلوب الحكيم ، تأكيد المدح بما يشبه الذم))



      حسن التعليل


           نماذج :
1 - قال ابن الرومي :
لما تُؤذِنُ الدنيا به منْ صُروفِها
يكونُ بكاءُ الطفلِ ساعةَ يولدُ
و إِلاَّ فما يبكيهِ منها و إنها
لأَرحَبُ مما كان فيهِ و أَرغدُ ؟

2 - و للمتنبي من ميميّته المشهورة التي قالها بمصر حين أَصابته الحُمَّى :
يقولُ لِيَ الطبيبُ أَكلْتَ شيئا
و داؤُك في شرابِكَ و الطعامِ
و ما في طِبِّهِ أني جوادٌ
أضرَّ بجِسمِهِ طولُ الجِمامِ
تعوَّدَ أَن يُغَبَّرَ في السَّرايا
و يدخلَ من قتامٍِ في قتامِ
فأُمْسِكَ : لا يُطالُ له فيرعى
و لا هوَ في العليقِ و لا اللجامِ

3 - و قال المعرّيّ يصف الشمعة :
و صفراءَ لونِ التَّبْرِ مثلي جليدَةٌ
على نُوَبِ الأيّامِ و العيشةِ الضَّنْكِ
تُريكَ ابتساماً دائماً و تجلُّداً
و صبراً على ما نابها و هيَ في الهُلْكِ
و لو نطقَتْ يوماً لقالَتْ : أَظنُّكم
تخالون أَني مِنْ حذارِ الرَّدى أَبكي
فلا تحسبوا دمعي لوَجْدٍ وجَدْتُهُ
فقدْ تدمُع الأَحداقُ من كثرةِ الضِّحْكِ



4 - و لابن سِراج الأَندلسي يتغزل :
قالوا به صفرةٌ عابتْ محاسنَهُ
فقلتُ : ما ذاكَ مِنْ داءٍ به نَزَلا
عيناهُ تُطْلَبُ من ثأْرٍ بما قتلتْ
فليس تلقاه إِلا خائفاً وَجِلا

5 - و لأَحد شعراءِ الأندلس يهنئ بمولود :
لمْ يستهلَّ ( بُكاً و لكنْ مُنكِراً
أنْ لم تُعَدَّ له الدروعُ لفائفاً

6 - و قال ظافر الحداد يمدح الملك الأَفضل :
أَينَ ماءُ النيل منْ كفِّكَ إذ
أَخجلَ البحرَ و ودْقَ  السُّحُبِ
و لهذا كانَ في العامِ لهُ
وقفةٌ من خَجَلٍ أَو رَهَبِ
ثم حاكى من أياديكَ نَدىً
فانْتَحى الأرْضَ بَجرْيٍ مُغْرِبِ

            نظرة تحليلية :

الشعر فن يعتمد على الخيال ، و يرتبط بالوجدان ، و لا يتقيَّد بمنطق العقل أَو قوانين المادة ، فربما جاءَ التعبير الشعري موافقاً للحقيقة العلمية ، و ربما جاءَ مخالفاً لها ، و سواءً أَكان هذا أم ذاك فمقياس جودته أَمرٌ خارج عن موافقة الحقيقة العلمية أَو مخالفتها : ذلك المقياس هو صدق تعبيره عن الوجدان .

و معلوم أن من أهم ما يشتغل به العلم البحث عن علل الأشياء ؛ أَي مسبِّبات وجودها ، و بمعرفة هذه العلل يتمكن الإنسان من التحكم في حالة المادة و تطويعها لأَغراضه العلمية . و قد استطاع العلم أَن يكشف عن علل بعض الظواهر المادية ، و ما زال يجدّ في البحث عن علل بعضها الآخر ، و لكنه في جميع الأحوال لا يثبت علة من العلل إلا إذا تبين من الملاحظة العملية أن وجودها يؤدي إلى وجود المعلول ، و بذلك يمكن استخدام هذه الحقيقة في التطبيق كما نعرف من دراستنا للعلوم الطبيعية . فإذا لاحظ العالم الكيميائي مثلا ظاهرة الاختزال فإنه لا يعللها باتحاد أَحد عنصري المركب بعنصر آخر إلا بعد أن يجري تجارب كثيرة تثبت هذا الاتحاد ، و منْ ثم يستطيع أن يستخدم ظاهرة الاختزال استخداماً عملياً في تنقية المعادن .


 و لكن البحث عن علل الأشياء ليس مقصوراً على التفكير العلمي . ذلك أن الربط بين الظواهر يمكن أَن يتم عن طريق الخيال ، دون أن يكون هناك ارتباط حقيقي بينها ، و لكن الشاعر يبدو مقتنعاً بوجود هذا الارتباط لأَنه يوافِق حالة نفسية معينة يشعر بها . و من ثم يبدو المعنى مصوغًا في شكل تعليل عقلي و إن كان معتمدًا على الخيال . فمن المعروف مثلاً أَن الطفل الحديث الولادة لا يعرف شيئاً من أمر الدنيا ، و لا يتصوّر المتاعب التي يستقبلها فيها ، و لكن ابن الرومي - بتشاؤمه المعهود - ربط بين بكاءِ المولودِ والعناءِ الذي يلقاه المرءُ في الحياة ، و جعل الثاني سبباً للأَول ، أي أنه جاءَ لظاهرة بكاءِ الطفل بعلة تتفق مع نفسيته هو - أي نفسية الشاعر - و لا شأْن لها بالطفل . و كذلك نجد المتنبي في ميميته يُعْرِض عن التعليل العلمي الذي يفسر به الطبيب حالته المرضية و يقدم تعليلا آخر يبدو أَكثر إقناعًا له ، لأَنه يتفق مع حالته النفسية من الشعور بالقهر و الإهمال .


و ربما اشتمل التعليل الشعري على تشبيه ، كما في النموذج الثالث من شعر المعري ، ففي هذه الأبيات تشبيه مقلوب ، لأن الأقرب إلى العادة أَن يُشَبَّه الإِنسان بالشمعة لا العكس ، حيث إن صفة الاحتراق حقيقية في الشمعة و غير حقيقية في الإِنسان . ثم إِن المعري بعد أَن شَبَّه الشمعة بنفسه ؛ خلع عليها صفات إِنسانية ، فجعل تساقط السائل منها بكاءً ، و زعم أن هذا البكاء ناشئ عن كثرة الضحك ، لا عن خوف الهلاك .

فالتعليل الشعري في هذه النماذج يعبِّر عن وجدان صادق ، لا يتقيد بالمنطق أَو الحقيقة الموضوعية ، و صدق التعبير عن نفسية الشاعر هو العامل الأَكبر في جمال هذه النماذج ، و لكن مما يدعم الإِحساس بجمالها ما تتضمنه من مفاجأَة لطيفة ، حيث يعقد الشاعر صلة وثيقة بين أمرين متباينين ، و من هذا النمط معظم التعليلات الشعرية عند فحول الشعراءِ ، أَما في العصور المتأَخرة التي شغف فيها الشعراءُ بالصنعة البديعية لذاتها فإننا نجد التعليل الشعري يقوم على ادعاءِ علة غير حقيقية لضرب من المبالغة في تقرير صفة من الصفات ، و غالبًا ما يكون ذلك في باب المدح كما في النموذجين الخامس و السادس ، و يشبههما في الصنعة النموذج الرابع ، و إن كان في الغزل لا في المدح . و معظم أَمثلة ( حسن التعليل ) في كتب البلاغة هي من هذا النمط الثاني ، مع أنه دون النمط الأَول في الجودة كما يتضح لك من الموازنة بين النموذجين الأول و الخامس ، حيث نجد في كليهما تعليلاً لظاهرة واحدة بعلة غير حقيقية ، و لكن التعليل في النموذج الخامس يدهشنا بغرابته فحسب .

   مما تقدم يتبين لك :


  أن حسن التعليل هو ادعاء علة غير حقيقية لحالة من الحالات أو صفة من الصفات . و أجود ما يكون إذا عبّر عن شعور نفسي صادق .













      الأسلوب الحكيم


           نماذج :

  
1 - لقي رجل بلال بن رباح - رضي الله عنه - ، و قد أقبل من جهة الحَلْبةِ ، فظنَّ أَنه كان يشهد السباق ، فسأله : من سبق ؟ فَأَجاب بلال : سبق المقرَّبون . قال الرجل : إِنما أسألُ عن الخيلِ ، فقال له بلال : و أَنا أُجيبك عن الخيرِ .

  2 - جيءَ بالقَبَعْثَري إلى الحجّاج ، فقال له الحجاج متوعّداً : لأَحملنّك على الأَدهم  فقال له القبعثري : مِثْلُ الأمير حمل على الأدهم و الأشهبِ، قال الحجاج : إِنه حديد . قال القبعثري : لأن يكون حديداً خيرٌ من أَن يكون بليداً .

  3 - قال الأرّجاني يتغزل :
غالطَتْني إذْ كستْ جسمي ضنىً
كسوةً أَعرَتْ من اللَّحْمِ العِظاما
ثمَّ قالتْ أَنتَ عندي في الهوى
مثلُ عيني ، صدقَتْ ، لكنْ سَقاما

  4 - و قال : ابن الحجَاج ( جـ )  :
قال : ثَقَّلْتُ إِذ أَتيتُ مِراراً
قلتُ : ثَقَّلْتَ كاهلي بالأيادي
قال : طوَّلْتُ ، قلتُ : أوليْتَ طَوْلا
قال : أَبرمْتُ ، قلت : حبلُ ودادي

            نظرة تحليلية :
نلاحظ في النموذج الأول أن بلالاً - رضي الله عنه - حمل سؤال الرجل على معنى غير المعنى الذي قصده السائل ، فالسائل يسأل عن سباق الخيل ، و بلال - رضي الله عنه - يشير إلى الآيتين الكريمتين (( و السابقون السابقون ، أولئك المقرَّبون )) و يبدو أن الرجل كان مشغولاً جداً بأمر السباق ، فهو يلح في بيان قَصْدِه ، و كأن بلالاً - رضي الله عنه - لم يفهم سؤاله : (( إِنما أسألك عن الخيل )) فيجيبه بلال - رضي الله عنه - مصرِّحاً بأنه صرف السؤال عن وجهته إلى وجهةٍ هي أنفع للسائل : (( و أنا أجيبك عن الخير )) .

و ليس في النموذج الثاني سؤال أو جواب ، و لكن أحد المتحاورين قد حمل كلام الآخر على معنى غير المعنى الذي قصده ، ليُنَبِّهَهُ في لطف إلى أن هذا المعنى الثاني أولى به ، فالحجاج يتوعد الخارجي بالقيد و السجن ، و القبعثري يطمع أن يعفو عنه الحجاج ، بل أن يَتَألَّفَ قلبه بهدية كريمة ، شيمة الأمراء القادرين ، و يحاول الحجاج أن يؤكد معناه في عبارة أكثر صراحة ، و لكن القبعثري يحوّل هذه العبارة أيضًا إلى المعنى الذي يريده هو .


و الأرّجاني يحتال لقلب المعنى الذي أرادته محبوبته ، و هو الإعزاز و الإِكرام ، بإضافة تمييز إلى الجملة التي قالتها : (( أنت مثل عيني - سقاما )) . و كذلك يصنع ابن الحجاج بالفعل (( ثقلت )) إذ يضيف إليه مفعولا به يقلب معناه إلى ضده ، أما الفعل الثالث (( طَولت )) فإنه يستحيل إلى معنى آخر بتغيير اشتقاقه ، و الفعل الرابع (( أبرمت )) اجتمع فيه الأمران لقلب المعنى : تغيير الاشتقاق و زيادة المفعول به .


و في جميع هذه الأمثلة يفاجأُ أَحد المتحاورين بمعنى خفي لم يكن يقصده . فالأُسلوب الحكيم يقوم على تعدّد المعاني للعبارة الواحدة ، كما هو الشأَن في التورية ، و لكن تعدد المعاني هنا يتخذ شكلاً تمثيليًا ، إذ يعبر كل من المتحاورين عن معنى يختلف عن معنى الآخر .


مما تقدم يتبين لك .


أن الأُسلوب الحكيم فن يعمد إليه أحد المتحاورين بتحويل كلام مخاطبه إلى معنى غير المعنى الذي قصده ، تنبيهاً إلى أنَّ هذا المعنى الثاني هو الأصدق أو الأحرى أن يُعمل به .
و ربما كان الحوار في شكل سؤال و جواب ، و ربما كان كلاماً تقريرياً . و قد يعتمد الأسلوب الحكيم على تعدد معاني الكلمة التي أوردها المخاطب ، و قد يحولها عن معناها بإِضافة .




  

 تأكيد المدح بما يشبه الذم

   

    نماذج :

1 - قال تعالى في صفة الجنة و أََهلها :
( لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا )

2 - (( أَنا أَفصحُ العربِ ، بيدَ أَني من قريشٍ ))
( المعنى صحيح و لكنه لم يرد بين الأحاديث المروية الصحيحة ) .

3 - قال النابغة الذبياني يمدح :
و لا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهم
بهنَّ فلولٌ من قِراعِ الكتائبِ

4 - و قال النابغةُ الجعدي .
فتى كمُلَتْ أخلاقُهُ غيرَ أَنهُ
جوادٌ فما يُبقي من المالِ باقيًا

5 - و قال ابن مقرِّب  :
و سلَّابُ أرواح الكُماةِ لدى الوغى
و لكنْ مُرَجِّيه لدى السلمِ سالبُهْ


            نظرة تحليلية :

إذا تأَملت النموذج الأول رأيت أَن أُسلوب الاستثناءِ قد جاءَ على خلاف أَصله . فالأَصل في الاستثناءِ إِخراج ما بعده من حكم ما قبله ، فإذا كان ما قبل الاستثناء نفياً لكل عيب ، فإن مجيءَ حرف الاستثناءِ  يُشْعِر بأَن ما بعده يثبت عيبًا ما ، كما نقول مثلا : (( لا عيب في هذا الثوب إِلا أَنَّ كميه قصيران فكون الكمين قصيرين عيبٌ أَثبته للثوب بعد أََن نفيت عنه سائر العيوب . و لذلك فإن قارىء الآية الكريمة إذا ورد عليه حرف الاستثناءِ سبق إلى وهمه أَنْ سيتلوه حكمٌ مخالف لما سبق ، فإِذا قرأَ قوله تعالى (( إلا قيلاً سلاماً سلاما )) أَدركته هزة لأنه وجد صفة من صفات المدح حيث كان يتوقع العكس ، و تصور أَنه لو فتش في الجنة من كلام يشبه اللغو أًو التأْثيم لما وجد إِلا ضد ذلك و هو التسليم الدائم ، فكان أَشد تأكِيداً لتنزيه أَهل الجنة عن اللغو و التأْثيم .

و هذا اللون من الاستثناءِ ملحوظ في بيت النابغة الذبياني أَيضًا ( النموذج الثالث ) حيث نجد الشاعر ينفي كل عيب عن ممدوحيه ، ثم يأتي بأداة الاستثناء فنتوهّم أنه يريد أن يثبت لهم عيبًا ما ، و إذا به يأْتي بصفة من صفات المدح ، فكأَنه يقيم بذلك دليلاً على خلوهم من كل عيب .


و قد يُتَصوَّر كون المستثنى داخلاً في مفهوم المستثنى منه - و هذا كما قلنا هو الأَصل في الاستثناءِ كما في النموذجين السابقين ، و قد يتصور كونه خارجًا عن ذلك المفهوم ، كما هو شأْن الاستثناءِ المنقطع الذي نعرفه في النحو ، و من هذا النوع القول المأثور عن النبي - صلى الله عليه وَ سَلم - :   أَنا أفصح العرب بيد أَني من قريش   .


فنسب الرسول الكريم ليس داخلا في تَمَيُّزِهِ - صلى الله عليه و سلم - عن سائر العرب بمزيد من الفصاحة ، و ذلك كما تقول في الاستثناءِ المنقطع الخالي من أُسلوب تأْكيد المدح بما يشبه الذم : (( اشتريت الكتب المطلوبة إلا قلمًا )) . و مع أننا في حديث الرسول - صلى الله عليه و سلم - لا نعقد صلة بين المستثنى و المستثنى منه ؛ نظراً لكون الاستثناءِ منقطعاً ، فإننا نشعر بالمفاجأَة أَيضاً ؛ لأَننا لازلنا نتوقع أَن يكون حكم ما بعد أَداة الاستثناءِ مخالفًا لحكم ما قبلها ، فإذا كان ما قبلها صفة مدح ، فنحن نتوقع أن يكون ما بعدها صفة عيب ، فإذا جاءَت الثانية صفة مدح كالأولى كانت أبلغ في إثبات المدح .


و إِثبات الكمال كنفي العيب ، من حيث إِنكِ إذا جئتِ بعدهما بمستثنى أَوهمت سامعكِ لأَول وهلة بأنَّه وصف معيب ، فَإذَا وجد صفة مدح عرته هزة كمن يلقى الخير حيث كان توجَّس شرًا ، و يمكنكِ أن تلاحظي ذلك في الحديث الشريف و كذلك في النموذج الرابع من شعر النابغة الجعدي .


و الاستدراك بلكن و بل شبيه بالاستثناءِ المنقطع من حيث إِننا نتوقع بعد حرف الاستدراك حكمًا

مخالفاً للحكم السابق ، فإذا جاءَ موافقًا له كان ذلك أبلغ في تأكيد معنى المدح . و على هذا النمط جاءَ بيت ابن مقرِّب ، حيث إنه استدرك على وصف ممدوحه بالشجاعة صفة أُخرى من صفات المدح و هي السخاءُ ، و زاد أن ربط بين المعنيين ربطاً لطيفاً حين قابل بين (( الوغى )) (( و السلم )) و بين (( الكماة )) - و أراد بهم الأعداء - و طالبي المعروف من أولياء الممدوح ، و بين جعل الضمير الممدوح فاعلاً للسلب في الشطر الأول و مفعولاً به في الشطر الثاني .

مما تقدم يتبين لك :


أ
ن تأكيد المدح بما يشبه الذم أُسلوب يعتمد على مفاجأة السامع بصفة من صفات المدح حيث كان يتوقع صفة ذم ، و ذلك باستخدام أَداة من أَدوات الاستثناءِ أو الاستدراك ، و قد يُقَدر الاستثناءُ مُتصِلاً أو منقطعًا , و قد يأتي المستثنى منه مُثبتًا أو مُنفيًا 







تم الانتهاء من الملخص " ولله الحمد لله "






المراجع :

١ - الإيضاح للخطيب القزويني.
٢- البلاغة فنونها وأفناها .د/فضل حسن عباس.
٣- علوم البلاغة لأحمد مصطفى المراغي
4- المفصل في علوم البلاغة.د/عيسى العاكوب.
5-البلاغة العربية. لعبد الرحمن حسن الميداني.
6- النظم القرآني في آيات الجهاد.د/ناصر بن عبد الرحمن الخنين.
7- مقرارات الثانوية العامة للطلاب والطالبات لعام 1435_ 1436هـ














تمنياتي لكم بدوام التوفيق...
خلود
صاحبة حساب (Kfayatarabic11) لتويتر  والآنستقرام