الأحد، 30 نوفمبر 2014

الفصاحة والبلاغة






معنى الفصاحة لغة:

لا بد لكل من يريد ان يتعرف على معنى لفظة ما في اصطلاح البلاغيين ان يعرف أولا معناها اللغوي ليهتدي به الى المراد بتلك اللفظة في اصطلاح البلاغة التي العربية لغتها ومدار بحثها. معنى الفصاحة لغة البيان والظهور، واذا نسبت الى الالفاظ انضم الى البيان والظهور الحسن.

 معنى الفصاحة اصطلاحًا:

اختلف البلاغيون في تعريف الفصاحة.
فالامام فخر الدين الرازي  يعرفها بانها خلوص الكلام من التعقيد.
وقال الابشيهي ان اللفظ الفصيح هو اللفظ الحسن المألوف في الاستعمال بشرط أن يكون معناه المفهوم منه صحيحاً حسناً.

 ومن هذين التعريفين يمكننا ان نستنتج ان الفصاحة تتركب من شيئين وهما صحة الشيئ و حسنه، سواء أكان كلمة او كلاما. ومع هذا لا يمكننا ان نعرّف الفصاحة بحد ينطبق على جميع انواعه الثلاثة، لاختلاف معناها بحسب هذه الثلاثة. ولكن كل تلك المعاني يرجع الى معناها اللغوي—الظهور والبيان والحسن.

الفصاحة عند بعضهم مقصورة على وصف الالفاظ ، فلا علاقة بينها وبين المعاني. ولكن رد هذه الفكرة الشيخ عبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الاعجاز وأسهب في الرد على من قال ان الفصاحة انما هي وصف للالفاظ دون المعاني بل جعل الجرجاني الفصاحة وصفا خاصا للمعاني. فقال مثلا “وهل تجد احدا يقول هذه اللفظة فصيحة الا وهو يعتبر مكانها من النظم وحسن ملائمة معناها لمعاني جاراتها وفضل مؤانستها لاخواتها وهل قالوا لفظة متمكنة ومقبولة وفي خلافه قلقة ونابية ومستكرهة الا وغرضهم ان يعبروا بالتمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناهما وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم”. وبعد ان تكلم كثيرا في هذا المجال استنتج الجرجاني فقال: “فقد اتضح اذن اتضاحا لا يدع للشك مجالا ان الالفاظ لا تتفاضل من حيث هي الفاظ مجردة ولا من حيث هي كلم مفردة وان الالفاظ تثبت لها الفضييلة وخلافها في ملائمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها او ما أشبه لك مما لا تعلق له بصريح اللفظ”.




أنواع الفصاحة

فصاحة الكلمة:

فصاحة الكلمة هي وصف للكلمة العربية حينما تخلو من اربعة عيوب، وهي التنافر، والغرابة، مخالفة القياس، و كراهة السمع لها.

والمراد بالتنافر هنا وصف في الكلمة يوجب ثقلها على اللسان وعسر النطق بها. والمعيار في هذه المسألة هو العرب، فالذي يستلذه آذان العرب ويمارسه السنتهم فهو كلمة فصيحة. وبعض العلماء قسم التنافر قسمين متناه في الثقل وعسر النطق وغير متناه. فمثال الاول قول الاعرابي حين سئل عن ناقته تركتها ترعى الهعخع، ومثال الثاني كلفظ مستشزرات من قول امرئ القيس:
غدائره مستشزرات الى العلى * تضل العقاس في مثنى ومرسل

والمراد بالغرابة كون الكلمة غير ظاهرة المعنى ولا مألوفة الاستعمال بالنسبة الى العرب العرباء. والسبب في الغرابة اما ندرة استعمال العرب لها، واما لاحتياج التوصل الى المراد منها الى تخريج متكلَّف بعيد. وذلك كقول رؤبة بن العجاج:
………………. * و فاحما ومرسنا مسرًّجا
فان مسرجا وصفا لمرسن—وهو الانف—لا يدرى—لغرابته—هل معناه كالسراج في البريق واللمعان او كالسيف السريجي في الدقة والاستواء.

والثالث مخالفة القياس وهي مخالفة القواعد النحوية او الصرفية، مثل فك الادغام في محل يوجب عدمه. وذلك كقول أبي النجم:
الحمد لله العلي الاجلل * الواحد الفرد القديم الاول

والقياس يقتضي ادغام لفظ الاجلل فصار الاجلّ. واما الالفاظ المستعملة المخالفة للقواعد فهي في حكم المستثنيات وليست من المخالفة، لكونه ثبتت عن الواضع كذلك، مثل أبى، يأبى، وآل.



والرابع كراهة السمع وهو ما يمجه السماع وتأنفه الطباع كقول ابي الطيب:
مبارك الاسم أغر اللقب * كريم الجرشى شريف النسب

فان السمع يمج لفظ الجرشى، قيل لتتابع الكسرات وتماثل الحروف. ولكن هذا الشرط الاخير للفصاحة اختلف فيه، بل قال السيوطي ان اشتراط هذا في الفصاحة ممنوع. لان كراهة السمع ان كانت لاستغرابه فقد دخلت في الغرابة او من جهة قبح الصوت فلا تعلق بالفصاحة لان السمع قد يستلذ غير الفصيح.

والجرجاني رد جعل اللفظ معيارا للفصاحة، للزوم القول بذلك اخراج الفصاحة من حيز البلاغة ومن ان تكون نظيرة لها. وذلك باحد الامرين اما بجعل اللفظ عمدة في المفاضلة بين العبارتين ولا نبالي بغيره واما بجعله احد ما يتفاضل به الكلام، وكلا الامرين لا يقبل. واجاب عن كون الفصاحة انما يوصف بها اللفظ دون المعنى، بكونها “عبارة عن كون اللفظ على وصف اذا كان عليه دل على المزية التي نحن في حديثها” . وقال في محل آخر: “…ان المزية التي من اجلها استحق اللفظ الوصف بانه فصيح عائدة في الحقيقة الى معناه ولو قيل انها تكون فيه دون معناه لكان ينبغي اذا قلنا في اللفظة انها فصيحة ان تكون تلك الفصاحة واجبة لها بكل حال”.



 فصاحة الكلام


عرف بعضهم ان الكلام الفصيح هو الظاهرالبين، وذلك ان تكون الفاظه مفهومه لا يحتاج في فهمه الى استخراج من كتاب لغة، وهذا لكونه مألوفة الاستعمال بين ارباب الكلام ولا يكون مألوفة الاستعمال الا لحسنه. ولا بد—مع سلامته من العيوب في فصاحة الكلمة—ان يسلم من اربعة عيوب:

1. تنافر الكلمات عند اجتماعها ولو كانت في مفرداتها فصيحة. وهذا—مثل فصاحة الكلمة—ينقسم الى قسمين، متناه في الثقل ودونه. فمثال الاول ما اورده الجاحظ:
وقبر حرب بمكان قفر * وليس قرب قبر حرب قبر
والثقل في النصف الاخير في هذا البيت جاء من تكرار الراء والباء. ومثال الثاني قول ابي تمام:
كريم متى امدحه امدحه والورى * معي واذا ما لمته لمته وحدي
وجاء الثقل فيه من تكرير لفظ ((امدحه)) بما فيه من حاء وهاء.

2. ضعف التأليف اما بكون تأليف الكلمات وإجراؤها على خلاف القواعد المشتهرة النحوية واما ان يكون فيه لحن نحوي او صرفي. ومن أمثلة ضعف التأليف: عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، استعمال الضمير المنفصل مع امكان استعمال الضمير المتصل، ونصب الفعل او جزمه بدون ناصب او جازم. وذلك مثل قول الشاعر:
قد جفوني ولم * أجف الاخلاءُ
فان لفظ الاخلاء فاعل لـ”جفوني” على لغة اكلوني البراغيث، وهذا مخالف للقواعد النحوية المشهورة.

3. التعقيد اللفظي بان يكون على غير ترتيب مفهوم للكلام العربي، كتقديم الصفة على الموصوف، والصلة على الموصول، وكالتشتيت في الروابط بين عناصر الجملة الواحدة او بين عناصر الجمل في الكلام الواحد. وهذا بخلاف ضعف التأليف، فان الاول لا يخل بفهم الكلام على الجملة وهذا قد يؤدي الى سوء فهم الكلام لعدم ترتيبه ترتيبا مفهوما. ومثاله قول الفرزدق:
وما مثله في الناس الا مملكا * ابو امه حي ابوه يقاربه
واصل ترتيب هذا الكلام: وما مثله في الناس حي يقاربه الا مملكا ابو امه ابوه، فغير هذا الترتيب وأتى بترتيب آخر صعب فهم الكلام به.

4. التعقيد المعنوي باستخدام لوازم فكرية بعيدة او خفية العلاقة او استخدام ما يسبب عسر فهم الكلام. مثاله قول العباس بن الاحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا * وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
ولا يفهم هذا البيت الا بعد إجهاد ذهني. ومعنى هذا البيت سأطلب عنكم وأتحمل آلام الفراق واصبر عليه لان عاقبة الالم والصبر الفرج، وحين يأتي الفرج يكون قرب دائم، ووصل مستمر مصحوب بسرور لا ينقطع.



فصاحة المتكلم:

فصاحة المتكلم هي ملكة يقتدر بها على الاتيان بالكلام الفصيح. فهو المتكلم الذي بملكته يتكلم بالكلام الفصيح. فالمتكلم بالكلام الفصيح اذا لم يصدر ذلك عن ملكة راسخة في نفسه فلا يسمى كلامه فصيحا لعدم صدوره عن ملكته.


(البلاغة)



معنى البلاغة

 معنى البلاغة لغة:

البلاغة في اللغة مشعر بفكرة الوصول، الانتهاء، الجودة، او المشارفة على الشيئ . يقال بلغ الشيئُ اذا وصل وانتهى، وبلغ المكانَ اذا وصل اليه او شارف عليه، وشيئ بالغٌ اي جيدٌ.

معنى البلاغة اصطلاحًا:

البلاغة هي كلّ ما تبلغ به المعنى قلب السامع فتمكّنه في نفس كتمكّنه في نفسك مع صورة مقبولة ومعرض حسن. فشرط البلاغة اثنان بلوغ المعنى المراد الى قلب السامع مع حسن الكلام. فالكلام الغير الجيد لا يسمى بليغا وان كان فهم معناه.

البلاغة عند البلاغيين:

تعنى مطابقة الكلام لمقتضى الحال .

(ومعنى ذلك أن يكون الكلام ملائما لموضوعه ولحال المخاطبين به).



ملحوظة :

يأتي الكلام ملائمًا لموضوعه بان يكون على شكل يناسب الغرض الذى يساق فيه فمثلا التهديد 
والوعيد يتطلب ضخامة الكلام وجزالته ، والاستعطاف والاستمالة يتطلب رقيق الكلام ولطيفه ،
 والوعظ والإرشاد يتطلب البسط والإقناع والإمتاع ...
ويأتى الكلام مناسبا لحال المخاطبين بأن يكون على حسب حالتهم النفسية ، 
وعلى قدر عقولهم وقدرتهم على الفهم والاستيعاب ومنا سبا لمستواهم الثقافي.




ما يوصف بالبلاغة

الكلام البليغ

الكلام البليغ هو موافقته لمقتضى حال المخاطب لكي يفهم مراد المتكلم واذعن له مع فصاحة مفرداته وجمله ولا يذعن له الا اذا كان حسنا. فيشترط في بلاغة الكلام كون مفرداته وجمله فصيحتان وكونه مطابقا لحال المخاطب، لان معنى البلاغة الوصول—فلا يسمى الكلام بليغا الا اذا وصل معناه الى المخاطب او قرب من الوصول—والحسن، وهذا معنى كونه فصيحا مفردا وجملة.


المتكلم البليغ

اختلف العلماء في وصف التمكلم بالبلاغة. ومعنى هذا الاختلاف هل يمكن ان يوصف بالبلاغة متكلم، فيقال متكلم بليغ. فمن العلماء من جعل البلاغة وصفا للمتكلم اي يمكن ان يقال لمتكلمٍ بليغٌ. وعرفوا بلاغة المتكلم بانها ملكة يستطيع بها تأليف كلام بليغ. وابو هلال العسكري رد كون البلاغة من صفة المتكلم. وقال انه “لا يجوز ان يسمى الله عز وجل بأنه بليغ، إذ لا يجوز أن يوصف بصفةٍ كان موضوعها الكلام”. وزاد ان تسمية المتكلم بانه بليغ توسع وصارت لكثرة الاستعمال كالحقيقة.

التختيم


مما تقدم يمكننا ان نستنتج ما يلي:
معنى الفصاحة لغة البيان والظهور والحسن.
اختلف العلماء في مدار الفصاحة، فمنهم من جعله لفظا والآخر معنى.
الفصاحة تتنوع ثلاثة انواع: فصاحة الكلمة، فصاحة الكلام، وفصاحة المتكلم.
معنى البلاغة لغة الوصول والانتهاء والمشارفة عليه والجودة.
والموصوف بالبلاغة اثنان الكلام والمتكلم، مع الاختلاف في الاخير.
وشرط بلاغة الكلام ان يكون مراده بالغا الى قلب المخاطب مع حسنه.

هذا آخر ما تيسر نقله من كتب العلماء جعله الله نافعًا لي ولأحبابي ولجميع المسلمين وذخيرة حسنة لنا في الأخرة.


المراجع

أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين، من موقع الوراق (المكتبة الشاملة).
جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تقريرات عقود الجمان في علم المعاني والبيان، مدرسة هداية المبتدئين، كديري، أندونسيا، بدون الطبعة والسنة.
عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي ، سر الفصاحة، من موقع الوراق (المكتبة الشاملة).
عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، البلاغة العربية اسسها وعلومها وفنونها، دار القلم، دمشق، سوريا، ط 1، 1416هـ / 1996م
عبد القاهر الجرجاني، دلائل الاعجاز، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1409هـ / 1988م.
محمد بن احمد الخطيب الابشيهي، المستطرف من كل فن مستظرف، من موقع الوراق (المكتبة الشاملة).
محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الاثير الجزري الكابت، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، من موقع الوراق (المكتبة الشاملة).
محمد بن مكرم بن منظور الافريقي ، لسان العرب، دار صادر، بيروت، لبنان، ط 1، بدون سنة الطبع، من برنامج المحدث المجاني (المكتبة الشاملة)
محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط، من موقع الوراق (المكتبة الشاملة).
المرشدي، المرشدي على عقود الجمان، دار احياء الكتب العربية، أندونسيا، بدون سنة الطبع.






_ ما علوم البلاغة؟


1}- علم البيان ( التشبيه – الاستعارة – الكناية – المجاز )

http://ma7b00ba.blogspot.com/2014/11/blog-post_37.html?spref=tw



2}- علم البديع ( الطباق – المقابلة – الجناس – السجع )


http://ma7b00ba.blogspot.com/2014/11/blog-post_21.html?spref=tw



3}- علم المعانى( التقديم والتأخير – الذكر والحذف – الفصل والوصل – الأساليب )

http://ma7b00ba.blogspot.com/2014/11/blog-post_31.html?spref=tw






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق